يعود تباعا مع منتصف شهر أغسطس «القائظ» حتى نهاية الشهر اخوة لنا سائحون هائمون من الغرب والشرق من جزر المالديف العائمة ومن جبال سويسرا الساحرة ومن لندن الصاخبة الى باريس الرومانسية ذات العطور الفواحة والازياء الفضفاضة، ومن النمسا أصغر الدول الاوروبية واجملها، ومن لنكاوي النسر بماليزيا إلى أسطنبول التاريخ والحضارة والمتاحف والمشاوي.. يعودون وحقهم مشروع فى الاستجمام والعودة والتزود بالمعرفة وفوائد السفر السبع، ولكن ليس من حقهم أن يقارنوا ما شاهدوه بما عاشوه، ليس من حقهم ان يشعلوا مواقع التواصل بالاسهاب فى الحديث عن التنظيم وانسيابية حركة المواصلات والأنهار الجارية والجبال البيضاء المتجمدة، ومن انبهر بهذا الخيال المرهف أتمنى أن يعود لمصيفه فى أيام الشتاء ومع بدايات الخريف ليرى كيف أصبحت الصورة المرسومة فى ذهنه. نعم هناك مناطق فى أوربا «جنة الله فى أرضه» ولكنها فى أشهر تمتد الى سبعة أشهر لا تحتمل! ففيها تتدنى درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر بدرجات وتتجمد الانهار الجارية وتتوقف حركة السير وتتعطل الاعمال، ويغلق العديد من الحوانيت والمطاعم، وتزهق الارواح والانفس من البرودة والفيضانات، وتنتشر الامراض وتتقطع الكهرباء وتتجمد المياه فى الصنابير، حتى أن غالبية سكانها المقتدرين يتركونها لزمهرير الشتاء ويبحثون عن المناطق المشمسة. ولعل الكثير لا يعرف أن المواطن النمساوي يتمنى أن يقضى أيام الشتاء متنقلا بين نفود السر بنجد ومرابع صحراء الدهناء الشاسعة، حيث الشمس المشرقة والطبيعة الرائعة فى هذه الاشهر من السنه. إذا.. هي قسمة رب الكون ومدبره يوزعها بين خلقه كيفما يشاء، صيف وشتاء ليل ونهار مطر وبرد وسموم وغبار، ولولا هذه التقسيمة الربانية لمل الناس وسئمت الانفس وكلت الأفئدة، فبرغم جمال الليل وسكونه لو استمر ستة اشهر فى السنة كما فى دول أوروبية جميلة، تصور كيف سيكون ليلك الطويل السرمدي. لا نغبطكم أيها السائحون جولتكم الصيفية ولكن نأمل منكم ألا تقارنوا ما شاهدتموه بما عايشتموه، وإذا أعجبتكم الأنظمة المرورية وشبكة الطرق الرائعة فابدأوا بأنفسكم، فبلادنا يتمنى مليار ونصف المليار مسلم أن يزوروها، ومليار آخر يتمنى أن يعمل بها ويعيش بين صحاريها وجبالها ويهيم شوقا فى أوديتها بلادنا قبلة المسلمين ومن الاجحاف ان تقارنها بشجر ونهر وجبل. أما تسمع مآذن الحرمين وتذوقت عسل الجنوب وشممت ورد الطائف ورأيت نخيل الاحساء وينابيع الخرج وعاشرت رجال الجوف وملأت رئتيك من نسائم نجد واستمتعت بشواطئ الشرقية الدافئة بلادنا لا تقارن بغيرها فهي فوق الوصف والمقارنة. ما دعاني لكتابة هذا المقال هو ذلك الشاب الذي عاد مبكرا من سويسرا بصورة غاية فى الجمال تتوسطها طبيعة رائعة وشلالات متدفقة واشجار شديدة الخضرة وموتيلات متعددة وعلق على الصورة قائلا «هذا المنظر الخلاب شمال الرياض 445100 كم» وشاهد الصورة وتعليق الشاب «ا....» اكثر من مليون شخص عبر مواقع التواصل فى اكثر من 23 دولة. والله المستعان..