يبدو أن منظمة العفو الدولية تعيش أزمة ضمير خانقة جراء عدم قدرتها على إدانة انتهاكات بعض عواصم القرار الدولي لمبادئها بحكم مصادرة قرارها من قبل تلك العواصم، وتوظيفه في اللعبة السياسية، مما يدفعها من حين لآخر للبحث عن كبش فداء، حتى وإن كان واقعه لا يستوفي اشتراطاتها القانونية، المهم ألا تظهر أمام العالم بموقف العاجز كما لو أنها أصيبت بالصمم والخرس والبكم، لتكيل التهم جزافا لمن تعرف أن هنالك من سيصفق لإدانته بحكم التربص كما هو الحال مع اتهاماتها الفجة للمملكة، والحال ذاتها تنطبق على «هيومن رايتس ووتش»، والتي بات من الواضح أنها لا تجرؤ على تطبيق معايير حقوق الإنسان على كافة الدول، وإنما تنتقي من يروق للنافذين فيها اتهامهم، حيث وجدت المنظمتان ضالتهما في المملكة، على اعتبار أنها الدولة التي كثيرا ما اعترضت على معايير المنظمتين المخالفة لأحكام الشرع الإسلامي، لأنها ترفض بشكل مطلق أن تضع توقيعها على كل ما يخالف عقيدتها الإسلامية، والفطرة الإنسانية السوية، وهو يبدو ما أثار حفيظة المنظمتين، ودفعهما لوضع المملكة من حين لآخر على رأس قائمة اتهاماتها التي لا تستند إلى حقائق بقدر ما تستند إلى بعض تقارير مغرضة، يقف خلفها بعض المشبوهين، تماما كما حدث حول ما سمي بانتهاكات حقوق الأطفال باليمن، والذي أشارت بعض المصادر عن صدوره من مكتب المنظمة في جيبوتي، وبإيحاء من طرف واحد، وهو الطرف الذي انقلب على الشرعية في اليمن، ولا يزال يواصل انقلاباته، في الوقت الذي يقدم فيه مركز الملك سلمان للأعمال الإغاثية والإنسانية، والصندوق السعودي للتنمية، عملا نموذجيا في مساعدة الأشقاء اليمنيين لم يستثن حتى الخصوم، حيث انطلقت قوافل الإغاثة والمساعدة إلى كافة أرجاء اليمن بما في ذلك صعدة مركز الحوثيين، وذلك لأن أدبيات المملكة في العمل الإنساني والخيري لا تفرق بين من هو مع أو ضد طالما أن الأمر يمس الإغاثة، وهي الصيغة التي عمل بها المركز والصندوق في كافة قوافلهما الإغاثية، وجسورهما الإنسانية والتي امتدت إلى كل أرجاء المعمورة، ونالت إشادات كل المنصفين، وأولهم خصوم المملكة السياسيين ممن تجردوا في هذه النقطة بالذات كما يجب من المواقف السياسية المسبقة، وهو ما لم تفلح فيه المنظمتان الدوليتان، حيث طغى الحكم المسيس على الحكم الأخلاقي الذي يُفترض أن يكون هو ضابط كل قراراتهما. والغريب أن هذه الاتهامات تحدث رغم كل الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة باتجاه تعزيز الأمن والسلم الدولي، ومحاربة الإرهاب، ومواجهة التدخلات الطائفية التي تتم من قبل إيران وأتباعها لإثارة النعرات الطائفية، وضرب استقرار المنطقة، وتصديها للتدخلات الإيرانية في العراق وسوريا والبحرين واليمن ولبنان، درءا للأزمات الناجمة عن تلك التدخلات، وكان الأولى بالمنظمتين الدوليتين أن تحفظا حق المملكة في التمايز عن الدول الأخرى مراعاة للخاصيات الثقافية والدينية للشعوب وبحكم موقع المملكة كقبلة للعالم الإسلامي، وعدم الإصرار على فرض بعض المفاهيم الأحادية على الجميع، وهما اللتان راعتا هذا الجانب لحضارات أخرى في مشارق الأرض ومغاربها، ولا نعرف كيف تستطيع أن تغمض منظمة العفو، ومنظمة حقوق الإنسان أعينهما عما يجري من انتهاكات لحقوق الإنسان، ولمعايير العفو الدولية إزاء ما يحدث في فلسطين وسوريا والعراق وميانمار من انتهاكات بشعة، وكذلك ما يحدث في إيران من إعدامات جماعية على الرافعات لكل المختلفين سياسيا مع النظام، وما ترتكبه ميليشيات الحشد الشعبي وحزب الله وفيلق بدر من مخالفات إنسانية وطائفية يندى لها الضمير الحي، حيث لم يبق أمام المنظمتين سوى التدخل في اليمن والذي تم تحت مظلة الأممالمتحدة والقرار 2216، وفقا للمادة (51) من ميثاق المنظمة دعما للشرعية، ونصرة للشعب اليمني الشقيق، واستجابة لنداءات كافة نخبه السياسية والدينية والثقافية والفكرية. لكنه عمى المكاييل، وزج الاتهامات في مواقف الانصاف إرضاءً لبعض القوى النافذة.