نقلت العديد من وكالات الأنباء عن مصادر أمنية تركية في تقاريرها أن المفجرين الانتحاريين الثلاثة التابعين لداعش، الذين شنوا هجومًا على مطار أتاتورك في أسطنبول ينتمون إلى جنسيات روسيا وأوزبكستان وقرغيزستان. للأسف لم يعد شن «داعش» هجومًا ضد هدف ناعم تركي بالشيء غير المألوف في يومنا هذا؛ فتركيا تعكف منذ بعض الوقت على اتخاذ إجراءات صارمة ضد التنظيم، وذلك على سبيل الإذعان لمطالب الولاياتالمتحدة وأيضًا لأن «داعش» بدأ يصير أقوى مما تريد تركيا. نتيجة لذلك عمد التنظيم إلى استهداف تركيا عدة مرات في الشهور الأخيرة. الجزء المهم من هذه التطورات، من منظور المحللين، أن اثنين من المسلحين الثلاثة الضالعين في هذا الهجوم ضلوعًا مباشرًا ينتميان إلى آسيا الوسطى، وهذا يمثل تأكيدًا كبير الدلالة لتوقعات المحللين جاء فيها أن آسيا الوسطى على شفا زعزعة استقرار خطيرة. وتقف آسيا الوسطى حاليًا عند ملتقى طرق عدد من الأزمات الخارجية، حيث ألحق الانخفاض في أسعار النفط ضررًا شديدًا بكازاخستان، أكبر اقتصاد في المنطقة، ومارس ضغطًا على تركمانستان. وفوق ذلك وضع الهبوط المستديم في أسعار النفط أيضًا قدرًا هائلًا من الضغط على الاقتصاد الروسي، الذي ترتبط به كل دول آسيا الوسطى ارتباطًا شديدًا. قلاقل مدنية وفي غضون ذلك أثرت الصعوبات الاقتصادية، التي تواجهها الصين أيضًا على الأنشطة الاستثمارية والتجارية الصينية في آسيا الوسطى تأثيرًا سلبيًّا، وكانت النتيجة وقوع قلاقل مدنية دورية في عموم المنطقة. وبحسب التحليلات، فمن غير المتوقع أن يتطور هذا الوضع إلى تهديد خطير لأنظمة الحكم الحالية في 2016، لكن كلما طال أمده، ازدادت احتمالات حدوث صراع خطير. غير أن أحد العوامل الأساسية الأخرى، التي تلعب دورًا في زعزعة استقرار آسيا الوسطى انتشار الأيديولوجيات الجهادية في المنطقة، وهذا الانتشار لا يزداد إلا تفاقمًا بفعل التحديات الاقتصادية. من المستحيل أن نعرف على وجه التحديد عدد مَنْ جندهم تنظيم «داعش» من بلدان آسيا الوسطى. فمجموعة الأزمات الدولية أصدرت العام الماضي تقريرًا أشارت فيه إلى انضمام 2000 شخص على الأقل من آسيا الوسطى إلى «داعش»، وتشير تقديرات الحكومة الكازاخستانية إلى انضمام نحو 300 من مواطنيها إلى التنظيم، وفي ساحة المعركة نجد أن المقاتلين من جنسيات آسيا الوسطى من أفضل مقاتلي داعش. ومع ذلك فإن أي معلومات في هذا الصدد هي في أحسن الأحوال معلومات غير موثّقة؛ إذ يستحيل تتبع هؤلاء المقاتلين بدقة كبيرة. وجود منظم في آسيا الوسطى واللافت للأنظار أن تنظيم «داعش» أصدر في الأشهر القليلة الماضية العديد من الفيديوهات الدعائية، التي تهدف على ما يبدو إلى تجنيد أشخاص من جنسيات آسيا الوسطى، بلغات مثل الكازاخستانية والأوزبكية ومصحوبة بترجمة إلى اللغة الروسية. لكن مجرد صعوبة الوصول إلى معلومات موثوقة لا يعني أن هذا لا يحدث فعلًا. والأنباء التي تتحدث عن ترجيح سفر مواطنين أوزبك وقرغيزيين إلى عاصمة «داعش» بحكم الواقع في الرقة وتخطيطهم هجومًا متطورًا داخل تركيا وتنفيذ هذا الهجوم بنجاح تعني أن «داعش» والمتعاطفين مع القضية الجهادية يتمتعون بوجود منظم في بلدان آسيا الوسطى، ويمكنهم تجنيد المجندين وإعادة توجيههم إلى مختلف بقاع العالم. وبالتالي لا ينبغي نبذ مختلف الاستنفارات الإرهابية، التي تأتي من أماكن مثل أوزبكستان وطاجيكستان كمحض أعذار تسوقها الحكومات المحلية لانتهاك حقوق الإنسان، بل ينبغي بالأحرى أخذها كاستجابات لتهديد حقيقي ومتنام. وكما يُظهر لنا الهجوم الذي وقع على مطار أتاتورك، فإن هذا النوع من زعزعة الاستقرار في آسيا الوسطى لن يظل محصورًا في آسيا الوسطى، بل يمكنه أن يفاقم المشكلات في الصينوروسيا، بل ويمكنه أن يجعل من أرض التجنيد الخصبة بالفعل في البقاع، التي تسكنها أغلبية مسلمة وتسيطر عليها روسيا من منطقة القوقاز موردًا أغزر إنتاجًا للمجندين. طلب المساعدة الخارجية والشيء الأوثق صلة بتوقعات المحللين أن هذا يمثل تهديدًا مباشرًا لمختلف أنظمة الحكم القابضة بقوة على شعوبها في عموم منطقة آسيا الوسطى. ففي أوائل هذا الشهر فقط، زُعم أن جهاديين كانوا وراء هجوم وقع في مدينة أكتوبي الكازاخستانية، وقال رئيس لجنة الأمن الوطني في كازاخستان أمس إن اللجنة احتجزت «العديد» من أعضاء جماعة تخطط لشن هجمات مستقبلية، وقد آثر أحد الأعضاء تفجير قنبلة انتحارية على تعرضه للاعتقال. المسألة الأخرى هي ما اذا كانت بلدان آسيا الوسطى ستلجأ إلى قوى خارجية طلبًا للمساعدة في محاربة هذه التحديات التي تحيق بالمنطقة. ففي العام الماضي ذكر موقع «أوراسيا نت» الإخباري أن روسيا نشرت قوات في تركمانستان لحماية الحدود من تغلغل المسلحين القادمين من أفغانستان، وتحتفظ روسيا بحضور نشط في بعض هذه الدول السوفيتية السابقة، وأبرزها طاجيكستان. ومن الأشياء التي سنترقبها ما لو وُجهت الدعوة إلى روسيا أو الولاياتالمتحدة لإرسال قوات كبيرة لمكافحة الإرهاب إلى المنطقة للمساعدة على إبقاء الوضع تحت السيطرة. لقد تضمنت توقعات المحللين الأمريكيين السنوية عدم الاستقرار في آسيا الوسطى، ومنذ فترة ونحن نتتبع حالة متزايدة من عدم الاستقرار. وفي الهجوم الذي وقع في تركيا وتحديد هويات منفذيه مؤشر على أن عدم الاستقرار في آسيا الوسطى في ازدياد. ولو كان بمقدور هؤلاء ضرب مطار أتاتورك، فسيسعون في نهاية المطاف إلى النيل من أنظمة الحكم في آسيا الوسطى.