في الآونة الاخيرة أصبحتُ مأخوذة بحركة التدوين النشطة في العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص، النشاط الشبابي اللامحدود في كتابة الافكار وطرحها امام الملأ والمتابعة المتزايدة، التي يحققها المدونون تستثير حافظة الكثير من المتتبعين لوسائل الاعلام الجديدة، في السابق ومنذ 5 سنوات درست -زمن البكالوريوس- أن صحافة المواطن المتمثلة في المدونات (البلوغز) اصبحت احدث صيحة في عالم الصحافة الجديد، خاصة أن أيامها فجّر هذه الموجة وجعلها تتصاعد حادثة قطارات لندن، التي صورها عدد من الشباب المدونين ورفعوها مباشرة على مدوناتهم الخاصة، واستعان بها عدد من وسائل الإعلام على وجه السرعة، في الحقيقة ان حركة التدوين العربية قامت على نشر ثقافة الرأي والرأي الآخر وإثراء المحتوى العربي على الإنترنت في تخصصات مختلفة، وقد بدأت في ظل وجود كثيف للمستخدم العربي على الإنترنت في نوع من استغلال هذا الوجود بصورة مفيدة وللاستفادة أيضا من المخزون المعرفي لدى هذا المستخدم، وقد نشأت الكثير من المبادرات العربية لعقد لقاءات جامعة لمدونين عرب من قطاعات ومجالات مختلفة من عدة دول عربية للحديث عن أهمية التدوين والمساهمة في إثراء المحتوى العربي، وحث الشباب على القيام بهذا الدور حتى أصبح هناك عدد هائل من المدونات الشخصية أكثر بكثير مما نتصور. إن الكثير من النداءات الجديدة تطالب مستخدم الانترنت -وعلى قفا الربيع العربي- وذلك بضرورة استثمار مجال المدونات الإلكترونية من أجل مناصرة القضايا المجتمعية، وتوسيع أفق التعبير الحر، وترسيخ قاعدة الصحافة الشعبية وتشجيعها في أوساط المجتمع، وذلك لأهمية الإقلاع لفضاء التدوين الإلكتروني بوعي عالٍ وتحرك مدروس، سعياً لطرح القضايا الوطنية -على سبيل المثال- وفي شتى المجالات على الشبكة العنكبوتية بجرأة وموضوعية، وصولًا لتشكيل رأي عام عالمي مناصر لهذه القضايا أمام التحديات التي تواجهها، فعلى المدونين والمدون العربي يقع الكثير من الاعتبارات، خاصة تلك التي تشير إلى ضرورة إسهامهم في تأسيس عمل تدويني جاد وملتزم بقضايا مجتمعه؛ وكفيل بتخليق هذا الفضاء الحيوي، وقادر على استثمار الإمكانات الفعلية التي يتيحها؛ سواء في تأطير وتنشئة وتنوير المجتمع؛ أو الضغط على صانعي القرار في اتجاه بلورة قرارات أكثر مصداقية وقربًا من المجتمع. ولا بد من التأكيد ان التدوين المختلف التوجهات هو ما قد يساهم فعليًا في تكوين معرفة عربية نحتاج إليها الآن حقيقة، إلا أن هناك توجهات ومجالات بعينها أصبحت أكثر رواجًا من غيرها بين المدونين العرب، وهي التدوين حول السياسة والتقنية والتنمية البشرية وريادة الأعمال، ولكن لا بد أن نوضح أولًا أن عملية التدوين هي عملية حرة لا تخضع لرقابة أو قيود، لذلك لا يمكن التحكم بها ولا توجيهها حتى مع وجود مؤسسات تهتم وتنادي بتنظيم حركة التدوين العربي وتطويرها، بل قد يؤدي ذلك إلى تقييد المدون العربي، الأمر هنا أشبه بنظرية تشارلز داروين للنشوء والتطور، عملية تطور حركة التدوين العربي هي عملية ذاتية وفقًا للمجهود المبذول من قبل المدونين وتوجهاتهم، ووفق معايير وسياسات يقومون بتحديدها لأنفسهم، مع ضرورة التأكيد على وجود المعايير الأخلاقية في التدوين، التي لا يختلف عليها أحد.