كريج رايت، الأسترالي المهووس بالحصول على عدد كبير من الدرجات العلمية، أعلن رسميا أنه هو ساتوشي ناكاموتو، الاسم المستعار المستخدم من قبل المخترع الغامض للبتكوين. دوافعه غير واضحة، لكن البرهان الفني الذي قدمه واستعداد جافن أندرسن، خليفة ناكاموتو في وظيفة المطور الرئيسي للبتكوين، لقبوله على أنه صادق في ما يقول، يعتبر دليلا مقنعا. لو كان رايت هو ساتوشي، لما كان التحرريون المتطرفون هم فقط أول من اعتمد عملة سرية- أحدهم كان منشئها، والفكرة جاءت لأسباب أيديولوجية. رغم أن بيان البتكوين العام الذي أوجده ناكاموتو تجنب البيانات السياسية والفلسفية، إلا أن رايت لم يتجنبها. بعد مرور خمسة أشهر حين ادعت مجلتان، وهما وايرد وجيزمودو، للمرة الأولى بأن رايت هو ناكاموتو استنادا إلى بعض الرسائل الإلكترونية المتسربة، اتصل بثلاث منظمات إخبارية- البي بي سي ومجلة الإيكونومست ومجلة جي كيو- ليقول لهم إنه مستعد لتقديم الدليل على أنه هو الذي أنشأ العملة المشفرة. أثبت رايت بأن لديه المفتاح الخاص بهذه العملة المشفرة المستخدم للتوقيع على أول تحويل للبتكوين- من ناكاموتو إلى هال فايني. قبلت بي بي سي بهذا الإثبات. ووعدت جي كيو بنشر مقابلتها التي أجرتها مع رايت في عددها التالي. أما مجلة الإيكونومست فقد قدمت أكثر المحاولات جدية للتحقق من ادعاء رايت، من خلال دعوة كل من أندرسن وجان ماتونيس، المدير الأسبق لمؤسسة البتكوين، ليشهد على ادعاء رايت وتوضيح الجوانب الفنية «لاختبار الأبوة» الذي سوف يلزم لإثبات هوية ناكاموتو دون أدنى شك. وافق كل من ماتونيس وأندرسن على أن رايت أظهر أن لديه مفتاح أول عملية تحويل للبتكوين، التي تفترض بأن ناكاموتو يمكنه حمله فقط لأنه كان الرجل الوحيد الذي «أنشأ» هذه العملة. وهذا ليس دليلا قاطعا تماما- من يعرف كيف أتى رايت بهذا الدليل؟ رفض رايت تقديم أية أدلة أخرى أو، على حد تعبيره للإيكونومست، الخضوع لأية عملية تمحيص دقيقة ومتينة. مع ذلك، جاء أندرسن مقتنعا بأنه كان قد رأى ذلك «الشخص الرائع العنيد المركز والسخي- والذي يسعى للخصوصية» الذي يتذكره منذ بداية ظهور البتكوين. الإيكونومست أحاطت قبولها لأدلة رايت بنوع من الحذر على النحو التالي: «بقدر معرفتنا بالموضوع، يبدو في الواقع أن المفاتيح في حوزته، على الأقل للجزء التاسع»- الحساب الذي أجري من خلاله التحويل إلى فايني. مع ذلك، شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من المجلات، التي لم يقدم لها رايت أية أدلة، لا تزال تعرب عن شكوكها. وكل ما رأوه هو منشور على مدونة رايت يشرح فيه كيف يمكن التحقق من مفتاح البتكوين. أما مستخدمو ريديت فقد اعتبروا أن هذا هو بحد ذاته برهان رايت، وأوجدوا عددا من الخيوط لمناقشة إعلان رايت عن نفسه على أنه نوع من الاحتيال. وقد تسربت تلك الشكوك إلى وسائل الإعلام الرئيسية. بالنسبة لي، لم يكن تصرفهم في المكان الصحيح. الهدف من المدونة التي نشرها رايت هو وصف إجراء التحقق الرئيسي باستخدام مثال متاح للجمهور. كما أنه لا يحوي، أو يصرح بأنه يحوي، المفاتيح التي أظهرها رايت في المجلتين وشبكة التواصل الاجتماعي، ولماتونيس وأندرسن. يستمر الشك قائما لسببين: أن مجتمع البتكوين تعرض للانشقاق مؤخرا. يرغب بعض المطورين، بمن فيهم أندرسن، في مضاعفة حجم القطع، أو سجلات المعاملات المدخلة إلى سلسلة القطع، وهو السجل العام الذي يعتبر الجزء الأكثر قيمة في تكنولوجيا البتكوين. وهذا من شأنه أن يجعل من الممكن تسجيل معاملات أكثر في الثانية الواحدة. وهنالك آخرون ضد زيادة الحجم. وهنالك شكوك بأنه من الممكن أن تكون لدى أندرسن خطة خفية في تأكيد هوية ناكاموتو. بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو رايت بأنه يمثل ذلك الشخص المقدس الذي اتخذه ناكاموتو لدى هواة البتكوين والمهووسين به بشكل عام. على ما يبدو، لا يمكنه تقديم دليل يبين أنه حصل على درجات علمية مختلفة في الهندسة والقانون والعلوم المالية واللاهوت بحسب ما يدعي. حيث أنه يرتكب أخطاءا مطبعية وأخطاءا نحوية في منشورات مدونته «لاحظ أن بيان البتكوين من ناكاموتو تمت مراجعته وتحريره بدقة». كما أنه شخص مزاجي وأحيانا تكون أقواله غير مترابطة. وتحقق السلطات الأسترالية معه بتهمة التهرب من دفع الضرائب. كما كتب أندرسن: «نحن نحب خلق الأبطال- لكن يبدو أننا نحب أيضا كرههم إن لم يرتقوا إلى مستوى بعض الأخلاقيات بعيدة المنال. قد يكون من الأفضل لو كان ساتوشي ناكاموتو الاسم الرمزي لمشروع يعود لوكالة الأمن القومي، أو ذكاء اصطناعيا مرسلا من المستقبل لتحسين وضع أموالنا البدائية. لكنه ليس كذلك، إنه كائن بشري غير كامل تماما مثلنا». مع ذلك، وعلى الرغم من جميع عيوبه، يعتبر رايت شخصا نقيا من الناحية الأيديولوجية. وبالنسبة لي، هذا يعطينا الحل لجزء مفقود من اللغز. لم يقدم بيان ناكاموتو أي توضيح يتعلق بإنشاء البتكوين، باستثناء كونه ممارسة هندسية أنيقة من شأنها إزالة بعض القيود المفروضة على التمويل التقليدي. في منشوره عبر مدونته والمتعلق بالتحقق من المفتاح، اقتبس رايت تفسير جان بول سارتر حين برر رفضه استلام جائزة نوبل: «حين أوقع باسمي العادي، جان بول سارتر، فإن هذا لن يكون الشيء نفسه حين أوقع باسم جان بول سارتر، الحاصل على جائزة نوبل». أوضح سارتر أن العنوان من شأنه أن يعرض قراءه لضغط غير مرغوب به. القياس واضح: حين يكون رايت هو ناكاموتو فهذا نفس الشيء حين يكون اسمه رايت فقط.