واصل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس درسه الأسبوعي بعد صلاة المغرب كل يوم ثلاثاء بالمسجد الحرام متناولا تفسير آيات من الذكر الحكيم من سورة القمر بحضور أحد منسوبي إدارة الخدمة الاجتماعية لترجمة الدرس مباشرة بلغة الإشارة لذوي الاحتياجات الخاصة من الصم واستهل معاليه الدرس بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بدأ في تفسير قوله تعالى من الآية (43): ((أكُفارُكُم خير مِن أُولئِكُم أم لكُم براءة فِي الزُبُرِ)) أي: هؤلاء الذين كذبوا أفضل الرسل، خير من أولئك المكذبين، الذين ذكر الله هلاكهم وما جرى عليهم ; فإن كانوا خيرا منهم أمكن أن ينجوا من العذاب، ولم يصبهم ما أصاب أولئك الأشرار، وليس الأمر كذلك فإنهم إن لم يكونوا شرا منهم فليسوا بخير منهم، {أم لكُم براءة فِي الزُبُر} أي: أم أعطاكم الله عهدا وميثاقا في الكتب التي أنزلها على الأنبياء فتعتقدون حينئذ أنكم الناجون بإخبار الله ووعده، وهذا غير واقع. ثم أستكمل قول تعالى: ((أم يقُولُون نحنُ جمِيع مُنتصِر)) يقول تعالى في ذكره: أيقول هؤلاء الكفار من قريش: نحن جميع منتصر ممن قصدنا بسوء ومكروه، وأراد حربنا وتفريق جمعنا. ثم قال تعالى: (سيُهزمُ الجمعُ ويُولُون الدُبُر) أي: سيُهزم الجمع يعني جمع كفار قريش، {ويُولُون الدُبُر} يقول: ويولون أدبارهم المؤمنين بالله عن انهزامهم عنه. وقيل: الدبر فوحد والمراد به الجمع، وفي قوله جل جلاله: ((بلِ الساعةُ موعِدُهُم والساعةُ أدهى وأمرُ)) أي: يقول الله تعالى: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون من أنهم لا يبعثون بعد مماتهم، {بلِ الساعةُ موعِدُهُم}: للبعث والعقاب، {والساعةُ أدهى وأمر} أي: عليهم من الهزيمة التي يهزمونها عند التقائهم مع المؤمنين ببدر، وقال تعالي: ((إِن المُجرِمِين فِي ضلالٍ وسُعُرٍ)) أي: أن المجرمين في ذهاب عن الحق، وأخذ على غير هدى، {وسُعُرٍ} أي: في احتراق من شدة العناء والنصب في الباطل، وقال سبحانه: ((يوم يُسحبُون فِي النارِ على وُجُوهِهِم ذُوقُوا مس سقر)) أي: يسحبون على وجوههم التي هي أشرف ما بهم من الأعضاء، وألمها أشد من ألم غيرها، فيهانون بذلك ويخزون، ويقال لهم {ذُوقُوا مس سقر} أي: ذوقوا ألم النار وأسفها وغيظها ولهبه، وقال تعالى: ((إِنا كُل شيءٍ خلقناهُ بِقدرٍ)) أي: أن الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه، ولا مشارك له في خلقها، وهذا شامل للمخلوقات والعوالم العلوية والسفلية. ثم قال تعالى ((وما أمرُنا إِلا واحِدة كلمحٍ بِالبصرِ)) أي: فإذا أراد شيئا قال له كن فيكون كما أراد، كلمح البصر، من غير ممانعة ولا صعوبة. ثم استكمل قول جل جلاله: ((ولقد أهلكنا أشياعكُم فهل مِن مُدكِرٍ)) هم الأمم السابقة الذين عملوا كما عملتم، وكذبوا كما كذبتم، {فهل مِن مُدكِرٍ} أي: متذكر يعلم أن سنة الله في الأولين والآخرين واحدة، وأن حكمته كما اقتضت إهلاك أولئك الأشرار فإن هؤلاء مثلهم، ولا فرق بين الفريقين. ثم قال: ((كُلُ شيءٍ فعلُوهُ فِي الزُبُرِ)) أي: كل ما فعلوه من خير وشر مكتوب. وفي قوله سبحانه: ((وكُلُ صغِيرٍ وكبِيرٍ مُستطر)) أي: مسطر مكتوب، وهذا حقيقة القضاء والقدر، وأن جميع الأشياء قد علمها الله تعالى، وسطرها عنده في اللوح المحفوظ. ثم أردف قول عز وجل: ((إِن المُتقِين فِي جناتٍ ونهرٍ)) أي: الذين اتقوا الله ولم يشركوا بالكبائر والصغائر واتبعوا أوامره وترك نواهيه، فإن لهم جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وفي أخر آية من سورة القمر ذكر قوله تعالى: ((فِي مقعدِ صِدقٍ عِند ملِيكٍ مُقتدِرٍ)) أي: فلا تسأل بعد هذا عما يعطيهم ربهم من كرامته وجوده، ويمدهم به من إحسانه ومنته جعلنا الله منهم، ولا حرمنا خير ما عنده.