يتفق معظم محافظي البنوك المركزية على أن هدفهم الرئيسي هو منح الناس والشركات الثقة بأن التضخم سيبقى مستقرا على المدى الطويل. لكن لسوء الحظ، يمكن أن يفشل الاحتياطي الفيدرالي في تلك المهمة. بدأ الاحتياطي الفيدرالي التراجع في جهوده الرامية إلى تحفيز النمو منذ مايو من عام 2013، عندما قال بن بيرنانكي، رئيس البنك آنذاك، إنه من المرجح أن يبدأ البنك المركزي في الحد من عمليات شراء السندات التي تعرف باسم برنامج التسهيل الكمي. وأشارت هذه الخطوة إلى أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي كانوا يعتقدون أن معدل التضخم قد يعود تدريجيا إلى نسبة 2 بالمائة خلال السنوات المقبلة، وهذا يعد تطورا ينبغي أن يحافظ على توقعات التضخم لدى الناس عند مستوى مماثل. بالتالي، ما الذي حدث بالفعل لتوقعات التضخم خلال تلك الفترة؟ للحصول على إجابة، يمكننا تفحص بعض القرائن: كيف يحدد أصحاب العمل الأجور؟، وما الذي يقوله الناس في الدراسات الاستقصائية؟، وما الذي سيدفعه المستثمرون للحماية من التضخم؟. دعونا نبدأ بالأجور. أعرب كثير من خبراء الاقتصاد عن دهشتهم من أن البطالة المنخفضة جدا لم تترجم إلى نمو أكبر في الأجور. أحد التفسيرات الجيدة هي أن معدل البطالة لا يسيطر على جميع إمدادات العمالة المتاحة، مثل الأشخاص الذين يريدون فرص عمل لكنهم لا يبحثون عنها بنشاط (وبالتالي لا يتم احتسابهم كأشخاص عاطلين عن العمل). لكنني أشك في أن هذه هي القصة الكاملة. تُعَد التوقعات مهمة أيضا. على سبيل المثال، عندما تسارع التضخم في السبعينيات رغم البطالة المرتفعة، كان جزء من المشكلة يتمثل في أن الناس والشركات كانوا يتوقعون حدوث ارتفاع في الأجور والأسعار، وبالتالي قاموا بتحديد مطالب الأجور لديهم وسياسات التسعير وفقا لذلك. والآن، بما أن التضخم لا يزال متدنيا رغم انخفاض البطالة، ينبغي أن يعتبر هذا دلالة على المشكلة الأخرى المعاكسة: تراجع التوقعات. ويكون التفسير منطقيا أكثر إذا اعتقدْتَ، كما يعتقد الكثيرون، بأن الطلب على العمالة يصطدم بالفعل مع القيود المفروضة على العرض. تدعم الدراسات الاستقصائية المختصة بالأسر المعيشية الفكرة التي مفادها أن توقعات التضخم قد انخفضت. على سبيل المثال، تبين دراسة المستهلكين التي أجرتها جامعة ميتشغان بأن توقعات التضخم خلال السنوات الخمس التي تلت انخفضت إلى ما يقارب المستويات القياسية (رغم أنه من المسلم به أن تلك المقاييس تبقى في نطاق ضيق نسبيا). أما الدراسة الاستقصائية الأحدث لتوقعات المستهلكين، الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، فترى أن متوسط توقعات الأسر المعيشية الخاصة بالتضخم خلال السنوات الثلاث التي تلت انخفضت بما يقارب نقطة مئوية كاملة منذ يونيو من عام 2013. كما يبدو أيضا بأن الأسواق المالية فقدت ثقتها في أن يبقى التضخم مقتربا من نسبة 2 بالمائة. اتجهت توقعات التضخم للأمد الطويل نزولا منذ الفصل الثالث من عام 2014. مما لا شك فيه أن مثل هذه المقاييس الخاصة بالأسواق المالية تميل لأن تكون متقلبة. رغم ذلك فإن الإشارة تبدو واضحة: المستثمرون أقل ثقة في أن الاحتياطي الفيدرالي راغب وقادر على الحفاظ على معدل التضخم قريبا من النسبة المستهدفة البالغة 2 بالمائة في المستقبل. وقد لاحظ الاحتياطي الفيدرالي بدقة هذه الإشارة الواردة من الأسواق المالية. في أكتوبر من عام 2014، أسقطت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، المسؤولة عن صنع السياسات، من بياناتها الاعتيادية التي تعقب الاجتماعات التأكيد الصريح على أن توقعات التضخم الأطول أجلا بقيت مستقرة - وهو تأكيد كان يرد في كل بيان خلال السنوات الخمس الماضية. لا أتوقع أن هذه العبارة ستعود مرة أخرى في بيانات الاحتياطي الفيدرالي. وهكذا، نرى إشارات واسعة النطاق على حدوث تراجع في توقعات التضخم ذات المدى الطويل. نحن نعرف العواقب المحتملة المترتبة على تجربة اليابان، التي عانت من أكثر من «عقد واحد ضائع» من التضخم المنخفض للغاية والنمو المخيب للآمال. إن لم تتم معالجة ذلك، سوف يبقى كل من أسعار الفائدة والتضخم منخفضين، وستبقى قدرة الاحتياطي الفيدرالي على حماية الاقتصاد من الصدمات المعاكسة في الأسعار والعمالة مقيدة بشكل كبير. ماذا نفعل؟ أوضح الرئيس جيفري لاكر من المصرف الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند ذلك جيدا عندما قال في عام 2006 إنه يجب على البنك المركزي الاستجابة «بقوة» أمام أي تآكل يحصل لتوقعات التضخم. وقد كان يتحدث عن تحركات التوقعات التصاعدية، لكنني آمل في أن يحترم الاحتياطي الفيدرالي وعوده في مواجهة التراجع الهبوطي الحالي، واستخدام جميع الأدوات الموجودة في ترسانته- بما في ذلك، على سبيل المثال، الحديث عن أسعار سلبية- لإقناع الناس بأنه قادر وراغب في القيام بعمله.