دائما ما يجادل منتقدو السياسة النقدية العالمية بأن المستوى الحالي لأسعار الفائدة منخفض بشكل مصطنع. وربما يساعدهم تشبيه طبي بسيط في فهم مدى الخطأ الذي وقعوا فيه جراء هذا التفكير. تصور امرأة شابة مصابة بمرض السكري من النوع الأول، أي عندما يفشل الجسم في إنتاج الإنسولين اللازم لاستقلاب السكر. حينها تتغير حياتها تماما. ويجب عليها أن تراقب باستمرار مستويات السكر في الدم، وضبط نظامها الغذائي وأخذ الإنسولين عن طريق الحقن أو الضخ. وإلا فإنها ستموت. قد يقول المراقبون المتسرعون إن تناولها للإنسولين أمر «مصطنع» - بمعنى أن الإنسان العادي لا يحتاج إلى هذه الطريقة للبقاء على قيد الحياة، وأنها كانت على ما يرام من دونه في الماضي. وربما يقولون أيضا إنه ينبغي عليها اتباع نظام غذائي بسيط يتضمن تناول وجبات صحية منتظمة في أوقات محددة، بدلا من أن تستند في تناولها للإنسولين على قياس منتظم ومستمر لمستوى السكر في الدم. لحسن الحظ، لا يوجد لدينا مثل هؤلاء المراقبين الخارجيين في عالم الطب. حيث يتبع الأطباء والمرضى دورات علاجية تختلف حسب الحاجة لتحقيق النتائج المرجوة. ولا توجد هناك معارضة قوية ما بين المشرعين والمشاركين في الأسواق المالية والأكاديميين للقضاء على المستويات «المصطنعة» أو الاختلافات في كمية الإنسولين التي يجري وصفها للمريض. لكن صناع السياسات النقدية ليسوا محظوظين إلى هذه الدرجة. الاقتصاد العالمي مصاب بمرض معين - وهو استمرار الطلب المنخفض على السلع والخدمات. بالتالي يحتاج صناع السياسة النقدية إلى استخدام أسعار الفائدة المنخفضة، نسختهم من الإنسولين، للتمكن من التغلب على الأعراض على الأقل. مع ذلك، يكونون دائما مطاردين من قبل الذين يريدون منهم وقف العلاج، أو إدارته بأساليب منظمة بطريقة غير صحية، مثل اتباع قاعدة آلية بدلا من مراقبة البيانات واستخدام حكمهم. من المحزن أن كثيرا من البنوك المركزية تخضع لمثل هذا الضغط. وهنا في الولاياتالمتحدة، قرر الاحتياطي الفيدرالي مواصلة تشديد السياسات النقدية التي أطلقها في منتصف عام 2013. وهدفه الرئيسي يتمثل في التخلص التدريجي من استخدام الإنسولين، رغم أن أعراض الأسعار المنخفضة والعمالة المتدنية مستمرة بلا هوادة. يعد تشبيه الإنسولين غير مناسب تماما للموضوع لسببين هامين. أولهما: أن النوع الأول من مرض السكري مزمن، في حين أن هناك أسبابا تدعو إلى الأمل (رغم عدم التأكد) بأن القوى الاقتصادية سوف تتخلص من المرض المتمثل في انخفاض الطلب الكلي، وفي هذه الحالة قد لا يعود العلاج طويل الأمد ضروريا. والسبب الثاني: أنه لا يوجد أي علاج معروف لمرض السكري من النوع الأول، في حين تمتلك الحكومات أدوات كافية لعلاج عدم كفاية الطلب - بما في ذلك الاستثمار في التعليم والبنية التحتية - إن قامت فقط باستخدامها. ما يسبب الحيرة والانزعاج الشديد هو أن المسؤولين عن السياسة المالية العامة لا يبذلون ما بوسعهم لعلاج مرض الاقتصاد العالمي. لكن إرغام محافظي البنوك المركزية على وقف علاج الأعراض سوف يكون خطأ فادحا.