بين زيارة والده المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود وزيارته الميمونة الأخيرة إلى مصر الكنانة مسافة سبعين عاما، خلالها توطدت العلاقات المصرية السعودية وثبتت أركانها، وتعددت الزيارات الرسمية بين البلدين، وقويت قواعدها على مستويات عدة: حكومة وشعبا ومصيرا مشتركا، فالزيارة الرسمية الأولى التي أسست لهذا التعاون الكبير كانت سنة 1946ميلادية، التقى فيها الملكان: عبدالعزيز آل سعود، والملك فاروق رحمهما الله. وكانت حسب الوثائق التي رصدتها رصدا دقيقا زيارة تاريخية بنت الجسر العتيد بين مصر والسعودية، والكلمات والعبارات العميقة والمعبرة التي وصف من خلالها الملك المؤسس زيارته دليل على دورها وأهميتها. فقد قال: «ليس البيان بمسعف في وصف ما لاقيته، لكن اعتزازي أني كنت أشعر بأن جيش مصر العربي هو جيشكم، وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جند للعرب». الآن ونحن في منتصف العام 2016 ميلادية وعَقِب سلسلة طويلة من الزيارات الرسمية بين البلدين تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى مصر العروبة، لتشكل قيمة كبيرة وسط ضبابية الوضع العربي، وتبدو طاقة ضوء مشعة وسط معاناة العديد من الشعوب العربية ومآسيها، وهي بين هذا وذاك بارقة أمل للعمل العربي المشترك، الباحث عن مستقبل آمن لشعوبنا العربية، خاصة إذا كانت هذه الزيارة بين بلدين يقودان الأمة في راهنها، ويشكلان جناحي القوة الضاربة من بين مكوناتها. أتت الزيارة المرتقبة بين القيادتين بعد أن تعالت أصوات الناعقين، وتكررت هرطقات الحاقدين، الذين حاولوا جاهدين رفع أصواتهم النشاز، وأقلامهم المارقة للنيل من العلاقة الوطيدة بين البلدين الشقيقين، بل تفانوا لتشويه هذه العلاقة، في المقابل برهنت هذه الزيارة الميمونة لخادم الحرمين الشريفين - وبما لا يدعو مجالا للشك - أن جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ماضيتان بجدية في سبيل التعاون المثمر والعمل المشترك الحقيقي، ولا أدل على ذلك إلا القائمة الطويلة من الاتفاقيات التي تمخضت عنها الزيارة، من جهود تنموية مرتقبة على أرض سيناء، وإنشاء تجمعات سكنية فيها، وإقامة جامعة تحمل اسم الملك سلمان بن عبدالعزيز، لتتضافر مع سلسلة من الاتفاقيات التي تصب في مجال التربية والتعليم كالبرنامج التنفيذي التربوي والتعليمي بين البلدين، وهذا ليس ببعيد عن مجال الثقافة والإعلام عبر مذكرة تفاهم في هذا الشأن المهم، واتفاقية تعاون أخرى بين هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية ونظيرتها المصرية، كما اشتملت على مشروعات طبية ضرورية مثل تطوير مستشفى قصر العيني. من جانب آخر فتحت الزيارة مساحة توافقية لتدقيق الحدود البحرية بين البلدين، ومساحة لمجال النقل البحري والموانىء، ومساحات أخرى للتعاون في مجالات: الزراعة، والنزاهة ومكافحة الفساد، والطاقة النووية. بعد هذا كله، لا بد لنا من التركيز على جسر الخير: جسر الملك سلمان الذي سيمد أواصر الإخاء أكثر، ويعززها بشكل أكبر، إن كنا نتحدث عن فوائده المعنوية، أما الحديث عنه اقتصاديا فحدث ولا حرج، ابتداء من الربط بين القارتين آسيا وأفريقيا، وصولا إلى تسهيل التنقل البشري أو التجاري، وكما قيل في التوقعات الاقتصادية: إن حجم التجارة السنوي المتوقع يفوق مائتي مليار دولار، وبالتالي فملخص القول: نحن حيال زيارة استثنائية في «مرحلة استثنائية» تسطر فصلا جديدا سيسجله التاريخ، وستذكره الأجيال القادمة.