لفت نظري إعلان باللغة الفرنسية، بينما كنت أتجول في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء الذي أزوره وأشارك فيه للمرة الأولى، حينما عدت إلى الفندق وجدت أنني أحمل 12 اعلانا لنفس المعرض بين أكياس قليلة من الكتب، الذي لم أفهم منه طبعا سوى التاريخ والوقت والمكان الذي ستقام فيه الفعالية. لا أعلم لماذا حرصت على الذهاب وتأجيل مواعيدي الأخرى، وكأن تلك الدعوة كانت شخصية، وأن هناك من أكد على حضوري دون أن يفعل، ولا أعرف لماذا تحدث لي هذه النداءات والاستجابات الغريبة دائما، لكنني وصلت مبكرا وجلست في الصف الأول بانتظار المتحدثين الذين كانوا يقفون بجانب كراسيهم على غير العادة. تنهدت طويلا حين علمت بأن هذا لم يكن سوى تكريم لفنانة فوتوغرافية شابة لم تعد موجودة على قيد الحياة، بل تواجدت صورتها فقط، ووضعت بعناية على كرسي في المنصة، الأمر الذي دعا المتحدثين ليقفوا ويفسحوا كل الأماكن لوجه « ليلى» الذي غاب. تتالت كلمات العزاء على خلفية مجموعة فيلم وثائقي للصور التي التقطتها الفنانة في مناسبات مختلفة، جعلني ذلك أتدفق بالدمع والحزن والأسى وإن كان هناك بعض الابتسامات كلما طلت الفنانة المغربية «ليلى العَلَوي» باشراقتها على شاشة العرض وكأنها تبادل كل الحاضرين الابتسامة. منظمة العفو الدولية «آمنستي» كانت قد كلفت المصورة المستقلة بعمل سلسلة من الصور المثالية للمرأة العاملة، من أجل تمكين النساء والفتيات في «بوركينا فاسو» الذي من المفترض أنها تُعرض في اليوم العالمي للمرأة الموافق الثامن من مارس. اختارتها «آمنستي» بسبب الطريقة التي تُخرج بها القوة الداخلية للمجتمعات المهمّشة في أعمالها السابقة، وكانت رسالة الحملة التي تعمل عليها «ليلى» هي «جسدي هو حقي»، وأن تُظهر الأفراد ليس كضحايا وإنما كإلهام للنساء والفتيات، في إطار حملة أوسع من التمكين والتغيير الإيجابي، لكنها لم تكن تعلم بأنها على موعد مع الارهاب، وأنها ستكون ضحية لهجوم مسلح تبناه تنظيم القاعدة على مطعم «كابتشينو» الذي كانت تتناول العشاء فيه، الذي أسفر عن مقتل 30 شخصا، وإصابة أكثر من 50 مدنيا، و4 من قوات الجيش والأمن. «ليلى» شابة فاتنة وقوية ولم يساور أحدا من عائلتها أو خطيبها أي شكوك بأنها لن تتمكن من مقاومة طلقات الكلاشينكوف البالغة الأثر. أصيبت بجروح، لم تكن مميتة بداية، حيث إنها فتحت عينيها لتسأل عن صحة سائقها الذي لم يخبرها أحد أنه قد لقي حتفه قبلها، لكن حالتها - للأسف - تفاقمت لتلقى حتفها في أفريقيا، تلك القارة التي وثقت فيها صورا لأجمل وأقبح ما فيها من حياة. شكرا لك «ليلى» على الدعوة الكريمة، شكرا «آمنستي». كانت هذه هي المرة الأولى التي أحضر فيها تأبينا يليق بانسان عمل من أجل الآخر، ومات من أجله.