قبل أسبوعين، أعلنت الصين أنها تقوم بنقل مكان سكن 9110 قرويين لإفساح المجال أمام تلسكوب عملاق سيقوم - من بين مهام أخرى - بالبحث عن وجود حياة خارج كوكب الأرض. بمجرد أن يجري إخلاء هؤلاء السكان سيئي الحظ، سوف تعكف الحكومة على القيام بعملها الحقيقي الخاص بأكبر تلسكوب راديو في العالم: اجتذاب المواهب العلمية اللازمة لتحويل اقتصاد الصين. وهذا لن يكون مهمة سهلة. حيث إن الصين تتصدر العالم في إرسال طلابها إلى الخارج، مع بقاء الأفضل منهم على الأغلب هناك. وطلبة الهندسة والعلوم الصينيون هم أكثر احتمالا من غيرهم من أي جنسية أخرى بالبقاء في الولاياتالمتحدة بعد إنهائهم الحصول على درجة الدكتوراة. وتشمل الأسباب المحسوبية المستوطنة في الصين فيما يخص التعيينات الأكاديمية والتمويل، والانترنت المراقب والمنغلق الذي يبعد الباحثين عن المجتمع العلمي العالمي، وثقافة العلوم التي تدفعها الحكومة. في السنوات الأخيرة، حاولت الصين تجريب العديد من مختلف السبل لعلاج هذا الاستنزاف للعقول والنهوض بثقافة الابتكار. في عام 2008، أسست الحكومة برنامج المواهب (الألف) لإغراء العلماء الموهوبين من خلال رواتب وميزانيات كبيرة، لكن كبار الباحثين كانوا مترددين في التخلي عن التعيينات الأكاديمية في الوطن، وتعرض البرنامج لعاصفة من الادعاءات المتعلقة بالاحتيال. والاستراتيجية الأخرى هي في تقديم المال لحل هذه المشكلة. ما بين عامي 2004 و2014، زادت الصين من ميزانية (البحوث والتنمية) لديها بمتوسط نسبته 23 بالمائة سنويا، وفي عام 2012 تفوقت على أوروبا في نسبة ناتجها المحلي الإجمالي المخصص للبحوث. لكن هذه الزيادة كانت تنطوي على مشكلة كبيرة. وفقا لتحليل أجري في عام 2014 من قبل (نيتشر)، وأنفقت الصين تاريخيا القليل جدا من ميزانية البحوث والتنمية لديها على بحوث أساسية، وبدلا من ذلك ركزت على مشاريع يمكنها تحقيق نتائج سريعة وملموسة (مثل المنتجات الاستهلاكية). وهذا لا يعتبر من ذلك النوع من البحوث المتطورة التي تحقق النتائج الأفضل والأبرز بالنسبة لشنغهاي. كما أن بيروقراطيي العلوم في الصين يتطلعون أيضا إلى نماذج أجنبية. وقد قدمت الولاياتالمتحدة مثالا مفيدا، لا سيما في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما اجتذبت سياسات الهجرة السخية والتمويل الكافي لكل شيء بدءا من استكشاف الفضاء إلى مشروع الجينوم البشري كبار العلماء الأوروبيين. في الآونة الأخيرة، اجتذب مشروع (مصادم الجسيمات) الذي تبلغ كلفته مليارات الدولارات في سويسرا كبار الفيزيائيين والمهندسين من جميع أنحاء العالم. وهكذا، سوف يعمل تلسكوب الراديو الضخم قريبا على تشريد آلاف السكان في الريف الصيني، كما أنه سيقوم بأكثر من مجرد البحث عن الكائنات الفضائية. وبما أنه أكبر تلسكوب من نوعه إلى حد ما، فمن المحتمل أن يقدم أفكارا أساسية تتعلق بالمسائل الأساسية الخاصة بعلم الفلك وعلم الكونيات. باختصار: إن كنت عالم راديو، خاصة إن كنت عالما صينيا، هذا هو الميدان حيث يمكنك القيام بأبحاث متطورة. وهنالك مشاريع أخرى طموحة أيضا.. في الخريف الماضي، أعلنت الصين أنها ستبدأ العمل في أكبر مسارع للجسيمات في العالم - خلفا لمصادم الجسيمات الكبير - في عام 2020. وقد نقلت وسائل الإعلام الحكومية عن (جيرارد هوفت)، الفائز في عام 1999 بجائزة نوبل في الفيزياء، قوله: إن المسارع "سوف يجلب المئات، وربما الآلاف، من كبار العلماء" إلى الصين. والفائدة في النهاية لن تكون اقتصادية فقط. حيث إن الهيبة والمكانة التي ستعود على البلدان التي تنجح في مجال العلوم تعتبر مطمحا لقادة الصين. بعد أيام من إعلان فريق من الولاياتالمتحدة بأنه كان قد أكد وجود موجات للجاذبية، اقترح العلماء الصينيون 3 مشاريع منفصلة ومكلفة للغاية لتوسيع نطاق بحوث الفضاء في البلاد. وقد كتبت الصحيفة الرسمية التابعة للحزب الشيوعي افتتاحية تحت عنوان "لماذا فوَّتنا موجات الجاذبية؟" من الواضح أن القصد هو عدم تفويت الاكتشاف الكبير المقبل. لا يوجد ضمان بأن ينجح أي من هذه المشاريع، بالطبع. وقد تسببت الحملة الأيديولوجية للرئيس تشي جين بينج بالضرر لروح البحث الحر في الصين، في الوقت الذي تبقى فيه المؤسسة العلمية مسيسة للغاية، وبطيئة في اتخاذ القرارات ومن دون قيادة واضحة المعالم. مع ذلك، لدى الصين الآن القدرة المالية والخبرة لإنشاء أدوات علمية ومشاريع سوف تجتذب الباحثين الأفضل والأبرز، وينبغي على بقية العالم الاستعداد لخوض المنافسة.