للرئيس الأمريكي باراك اوباما نظرية رددها كثيراً في أثناء محاولة تمرير الاتفاق النووي الإيراني من خلال المؤسسات السياسية الأمريكية، وإلى الشعب الأمريكي عبر اللقاءات التلفزيونية والصحفية التي أجراها، مفادها: "أن نعطي الجمهورية الإسلامية فرصة لكي تكون معتدلة، وترضى بالانخراط في صنع السلام في العالم بدل التقوقع حول ايديولوجيتها الثورية التي لم يجن منها العالم والشعب الإيراني إلا الويلات، وأن يعطى المعتدلون في إيران ما يمكن أن يقدموه للشعب الإيراني لكسب ثقته". انتخابات مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني الأخيرة أظهرت فوزاً ساحقاً للإصلاحيين؛ كتلة الرئيس روحاني، والمستقلين. وتمكن الاصلاحيون وحلفاؤهم المعتدلون من تحقيق مكاسب كبيرة، في مواجهة المحافظين، مما سيمكن الرئيس الإيراني حسن روحاني من الحصول على برلمان أكثر اعتدالا. وحقق أنصار روحاني اختراقا لافتا في طهران حيث فازوا بكامل المقاعد الثلاثين للبرلمان بعدما كان المحافظون يهيمنون على غالبيتها. وتشير الأرقام إلى أن الرئيس سيتمكن من التوصل إلى أغلبية قادرة على تنفيذ إصلاحاته. الجمعة الماضية تعززت بوادر ظهور إيران أكثر اعتدالا حين تصدر الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق أكبر هاشمي رفسنجاني قائمة الفائزين في انتخابات مجلس الخبراء، وحل روحاني ثالثا وتم إقصاء شخصيتين محافظتين كبيرتين من عضوية المجلس الذي من مهمته انتخاب مرشد الجمهورية هما؛ رئيسه الحالي آية الله محمد يزدي، وآية الله محمد تقي مصباح يزدي. وعلى عكس الانتخابات البرلمانية قبل أربع سنوات والتي قاطعها الإصلاحيون والمعتدلون احتجاجا على فوز مشكوك فيه للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد فإن نسبة الإقبال على الانتخابات هذا الدور كانت كبيرة (62%). تعتبر هذه النتائج بمثابة مصادقة شعبية على الاتفاق النووي الذي قاده روحاني، بين إيران والدول الكبرى وأدى إلى رفع العقوبات القاسية التي كانت مفروضة على البلاد. واعتبرت مؤشرا مهما على التوجه المستقبلي الذي يرغب الإيرانيون أن تسير فيه بلادهم. ويبدو أن بعض المحافظين أدركوا تغيّر المزاج الشعبي، ورغبة الشعب الإيراني في المزيد من الانفتاح على العالم، فعلي لاريجاني، رئيس البرلمان الحالي، المحسوب على الصقور اعترف بأن الانتخابات "مثيرة للاهتمام" وقال إنها تشير إلى أن "صفحة جديدة فتحت في البلاد". هناك أكثر من ملف في المنطقة ينتظر إيران المعتدلة لحله، وقد تعكس هذه النتائج صواب سياسة الرئيس الأمريكي، فالشعب الإيراني مثل كل شعوب المنطقة تتكون غالبيته من أجيال شابة، تشكل وعيها من خلال تعدد وسائل المعرفة وتنوعها، تكره الحصار وتتوق إلى التواصل مع العالم. ولا يمكن إذا ما أتيحت لها الفرصة كما هو واضح في الانتخابات الإيرانية أن تسمح للمحافظين المتشددين الذين أثبت الزمن أنهم دعاة حروب وعزلة بعزلها. كل ضمانات الاتفاق المُكَبِلة لإيران لن تكون بقوة حلاوة الانفتاح والمكاسب التجارية والاقتصادية التي سيتذوقها الإيرانيون بعد مرارة العزلة التي تجرعوها لعقود، وسيكون الشعب هو الضامن الحقيقي للاتفاق طالما بقيت الانتخابات نزيهة وديمقراطية.