تركت السرير مذعورا، أتفصد عرقا، ألهث بشدة، أتعوذ وأنفث، مبتعدا بسرعة دون أن ألتفت، الاستعاذة تلازمني منذ الصغر، أتلفظ بها إذا داهمني الكابوس، وأنفث عن يساري، لازمتني السنوات التي تلت الطفولة، ومازالت سجية حتى الآن. حملت جسدي المبلل، أشعر أن ملابسي ثقيلة، من أثر التعرق الشديد، رائحته شديدة الكراهة، جفلت من حالتي، وحمدت لهذه الليلة عزلتي إذ لم يتأذى غيري. اتجهت إلى زر الإضاءة في وسط الصالة، بدا لي أن الصالة واسعة أكثر مما عهدتها، التمست الزر في مكانه، تحسست الجدار، حركت يدي باتجاه الباب، لم أجد شيئا، بحثت بطريقة فوضوية دون جدوى، قلقت؛ قلت لنفسي بصوت مرتفع هذا من أثر النوم والكابوس، حملت نفسي على الظلمة الحالكة دون رؤية، باتجاه الباب ثانية، فلم أعثر على شيء! صحت يا إلهي.. عبثا أبحث عن المفتاح، عن الباب، عن أي منفذ إلى الخارج، بعيدا عن هذه الظلماء، لا شيء ينفذ منها أو إليها، حاولت العودة إلى مرقدي، بأي طريقة، وفشلت، مضت ساعة، ساعتان، ثلاث ساعات، كل الأشياء في تقديري متساوية، ملساء، لا حواف لها، لا أضلاع تميزها، أمسك بالجدار، لعلي أصل إلى نهايته، أبحث عن زاوية، عن انحناءة، عن أي بصيص للضوء، حتى لو كان ثقبا لإبرة، لا شيء ينتهي، لا شيء يمكن لمسه، سوى الجدار الغامض والفراغ.. جلست متأملا بعض الوقت، أسأل نفسي؛ هل لهذا المكان مساحة محدودة؟ هل له شكل ملموس؟، مربع أو معين أو مستطيل، خمنت: ربما هي قبة مستديرة، تلمست الشيء الناتئ بجانبي، كان الحجر أملسا، بيضاوي الشكل، يغمره السواد كغيره من الأشياء هنا، التقطته، ألصقته في الجدار، انطلقت مع حاسة اللمس لأرى هل سأعود إليه، سرت مطولا بمحاذات الجدار، توقفت منهكا، متعبا، جثوت على ركبتي، كم مضى من الوقت؟ لا أعلم، لا نهاية لهذا الخط المستقيم، لم أصل بعد إلى بداية أو نهاية، فقدت الأمل، فشلت في الوصول إلى الحجر، ألقيت عن رحل مخيلتي كل الصور التي تخيلتها للمكان. تساءلت مجددا، ماذا لو كانت المسافة التي تفصلني عن النهاية، بضع خطوات، ربما هي خطوة واحدة، أكثر، أقل، أنا لا أرى بعين مجردة، لا يمكنني الجزم، أنا الآن على حافة علقت عليها كل الاحتمالات، تعبت من التقدم إلى الأمام، فقدت شهيتي للبحث، وغريزة النظر والتمعن، هل هذا هو العمى؟ أقف الآن في حيرة بين قطيع أشباح (تتضرس) أنيابها وحلمي الأعمى مازال معلقا في فراغ مبهم. * بالاتفاق مع موقع القصة العربية