العلاقة بين الازدحام المروري واستعمالات الاراضي علاقة مباشرة، فكمية السيارات على الشارع مرتبطة بنوع النشاط على جانبيه، فكلما زاد حجم هذه النشاطات زاد حجم الحركة المرورية حولها. من هذا المنطلق فان الازدحام المروري هو نتيجة لقرارات تخطيطية اتخذتها البلديات، مما يعني ان اي محاولة لمعالجة الازدحام المروري لا تأخذ في الحسبان القرارات التخطيطية، لن يكتب لها النجاح. ان ما نراه اليوم من وضع مروري متردٍ علي الطرق والشوارع هو نتيجة لتلك القرارات التخطيطية التي لم تتنبأ البلديات بآثارها، ولا تزال تصدر مثل هذه القرارات دون مراعاة لآثارها السلبية على حركة السير، وقبل ذلك على سلامة مستخدمي هذه الطرق والشوارع من الراكبين والمشاة. من أوضح الامثلة على هذه القرارات نظام الشوارع التجارية الذي تبنته جميع مدن المملكة دون استثناء وتم تطبيقه بلا ضوابط ولا حدود. الشوارع التجارية سمح لها ان تمتد لعشرات الكيلو مترات مخترقة الاحياء السكنية وعلى جوانبها أعداد مهولة من المحلات التجارية لا تتناسب وحاجة المدينة. ان اهم مشاكل الشوارع التجارية هو تخللها للمناطق السكنية، حيث بالكاد يخلى حي سكني واحد من وجود عشرات الشوارع التجارية فيه، وقد بات جليا الاثر السلبي الذي تركته هذه الشوارع على سكان الحي، خاصة أصحاب المساكن التي تقع خلف هذه الشوارع. لقد جعلت هذه الشوارع السكن حولها او بالقرب منها معاناة يومية وتسببت في التأثير سلبا على قيمتها الحقيقية. مشاكل الشوارع التجارية لا تقف عند هذا فقط، بل ان امتدادها الطولي يجعل من ايجاد مواقف لزبائنها امرا غير ممكن، حيث ان مباني المواقف لا يمكن ان تكون مجدية الا في حال تم استخدامها من مرتادي المنطقة في الجهات الاربع وليس جهة واحدة فقط، فاصبح الوقوف على الشارع هو الاساس دون اي تنظيم مما اثر سلبا على سعة الطريق الذي بدوره يقود الى الازدحام وزيادة خطورة الحركة. المثال الآخر على أثر القرارات التخطيطية الخاطئة على الازدحام المروري، هو قيام البلديات بمنح التصاريح التجارية على الطرق السريعة. هذا القرار اجبر الطرق الدائرية - كنظام – على الفشل، على الرغم من انها هي اساس النقل داخل المدن في مختلف مدن العالم. لقد كان هدف الدولة من انشاء هذه الطرق الدائرية هو نقل الحركة بين مناطق المدينة المختلفة بيسر وسهولة وسرعة. ولكن تعامل البلديات معها مثل تعاملها مع الشوارع التجارية الاخرى – دون ادراك لغرضها الحقيقي واختلافها عن الشوارع الاخرى، جلب لها النشاطات التجارية على كل متر منها، فتحولت هذه الطرق الى شوارع مزدحمة وفقدت المدينة طرقها السريعة وذهبت مئات - ان لم تكن آلاف - الملايين التي انفقت على بنائها سدى. ان ما حصل على الدائري الشرقي لمدينة الرياض يتكرر اليوم على الدائري الشمالي، فلم تستفد الامانة من اخطائها واستمرت بتكرارها وتجاهلت ابسط القواعد التخطيطية. الكثير من سكان المدن يعلمون انه في البلدان الاوروبية والامريكية، تكون العقارات التي على جوانب الطرق السريعة، اقلها قيمة وعادة ما تكون كمستودعات او محطات بنزين او مناطق مفتوحة، ولكن الامانات لدينا ضربت بمعايير التخطيط عرض الحائط، وضحت بسلامة الناس وراحتهم وجعلت من مشاريع الطرق الضخمة مصدرا للزحام بدلا من ان تكون حلا له. ان اصرار الامانات والبلديات على الاستمرار في هذا النهج الذي ثبت فشله، لا يوجد له ما يبرره، كما ان بقاء الوزارة على طرف الطريق دون التدخل لايقاف البلديات يجعلها مسؤولة مسؤولية كاملة عن وضع المدن. ان وزارة البلديات عليها مسؤوليات تشريعية يجب عليها تحملها وألا تترك القرارات التخطيطية العامة بيد البلديات، كما ان الوزارة مسؤولة عن وضع معايير تتماشى والمعايير العالمية في تخطيط وتنفيذ مرافق النقل.