أخذت السياحة حيزا من الحركة التنموية لتلعب دورا اقتصاديا يكفل لها مساحة في الدخل القومي، ولهذا أنشئت الهيئة العليا للسياحة، التي شرعت في تكوين اللجان الفرعية في مختلف مناطق المملكة، وبدأت في تأسيس البنى التحتية؛ لمواجهة المتطلبات الأساسية، ولهذا دبت الحياة في هذا المنشط، واتجهت أنظار المستثمرين لاستغلال الفرص المتاحة فنشأت شركة الأحساء للسياحة والترفيه؛ لتنفيذ تجميل جبل القارة بالأحساء كباكورة مشاريعها، وهناك مجموعة مشاريع في المدن الرئيسية برؤوس أموال تتناسب مع الفكر المطروح، وأخذت الصحافة المحلية دورها للتعريف بمفاهيم السياحة. وحيث إن المملكة تمتاز بتنوع طبوغرافية الأرض التي تنفرد بها؛ لوجود السهل والوادي والجبل والصحراء والساحل، وهذا يمنحها ميزة التنوع والتفرد الذي يسمح بعدم التكرار. مع العلم أن معظم المشاريع التي أنشئت في هذا السياق تتشابه في غالبية مدننا، ولم تتجاوز عن فكرة مدن ألعاب الأطفال وكذلك مكوناتها تتكرر في كل مدينة، فلم نجد سوى (سيارات تصادم/ ألعاب إلكترونية/ الكراسي الدوارة وما شابهها) أو مطاعم الوجبات السريعة تتكرر نوعياتها وأسماؤها. أمر عجيب وكأن مفهوم السياحة تسلية الأطفال فقط دون استقطاب باقي الأسرة وهذا يشكل خللا في الجذب السياحي، فلا بد من البعد عن التماثل والتكرار، وذلك عن طريق الاستفادة من جغرافية كل مدينة، وإعطائها الطابع الذي يتناسب مع جغرافيتها. وما يجب التنويه عنه، هو قيام شباب من الأحساء تملؤهم الحماسة والنشاط الدؤوب بمشروعهم المتفرد بنوعه والجديد على أساليبنا المألوفة، وهو مشروع (سفاري الأحساء) بمجهودات فردية مذهلة بجودة بداياتها واستعداداتها بقافلة من سيارات الدفع الرباعي بحدود 60 سيارة للتصعيد على التلال الرملية وجولات برية إلى بحيرة الاصفر، مع وجود المرشدين السياحيين للتعريف وزيارة مناطق السياحة بالاحساء، والاستعداد لعمل المخيمات البرية للمجموعات وتهيئة كافة متطلبات الرحلة مع وجود وسائل الاتصال الحديثة بين السيارات، بإشراف وتعاون قائد الفريق عبدالله الناصر وزملائه؛ لإنجاح فكرة المشروع. وإنني استشعر أن بشائر التغيير في الفكر السياحي بدأت بوادرها، فالمدن الساحلية يجب أن تركز على المزايا البحرية مثل الغوص والصيد والتجديف والدراجات المائية والزلاجات والمطاعم البحرية والشاليهات، بحيث تنفرد عن الصحراوية، والتي لها مجالاتها مثل: القنص وسباق الخيل والسيارات المخصصة لها، وأما المناطق الجبلية فهناك تسلق الجبال والطيران الشراعي والتلفريك والهبوط المظلي وغيرها الكثير. أما عن السهول فتكون المزارع والمنتزهات بين النخيل لشوي الأغنام وجرعات من لبن البقر والعيون الجوفية وذكريات جلب المياه بالدلو وأسلوب سقي المزارع لتكون مقصدا للسياحة، وهناك ما تنفرد به كل منطقة من أثار تاريخية، ويضاف إلى كل ذلك العناصر المشتركة مثل: مسرح الطفل ودار للفنون التشكيلية وصالات الرياضة والمتحف. ولا ننسى أن المملكة تنفرد بخاصية وجود الحرمين الشريفين، فمجال السياحة الدينية واسع إذا أحسنا استغلاله، وهكذا نستطيع إعطاء كل مدينة طابعها الذي يشجع على تغيير الوجهة السياحية في كل عام دون ملل أو رتابة. وبهذه المناسبة أود طرح فكرة إنشاء حديقة دولية تكون مشتملة على دول الشرق والغرب وتضم نماذج مصغرة لأهم معالم مدينة شهيرة؛ ولو أخذنا أمثلة للمدن الغربية المشهورة مثل لندنوباريسوروماوأثيناوتركيا فسنجد في الجناح الإنجليزي على سبيل القياس ساعة بج بن؛ نهر التايمز؛ الطرف الأغر؛ متحف مدام توسو؛ جامعة كامبردج وشارع أكسفورد. أما باريس فسنجد برج أيفل؛ متحف اللوفر؛ الشانزليزيه. أما روما فبرج بيزا المائل وكذلك أثينا فالمدرجات اليونانية أما تركيا فسنجد المتحف الإسلامي؛ المسجد الأزرق؛ قصور السلاطين. وهكذا في بقية الدول المختارة؛ أما عن الدول العربية فسيضم جناح مصر الأهرامات وخان الخليلي والأزهر، أما دمشق فسيكون المسجد الأموي وسوق الحميدية، أما عمان فسيعرفنا بالبتراء وجرش وغيرها من المواقع الهامة كأمثلة تؤخذ بالقياس، وهذا لا يعفينا من التعريف بالمملكة بمدنها وأثارها كمدائن صالح. من هنا أصبحت هذه الرقعة مدرسة مجسمة لمعالم وآثار تترك لها مردودا ثقافيا وتعريفيا، وستكون أيضا مجالا للمتعة والترفيه ووسيلة جذب هادئة ومفيدة ستشكل خطوة أولى في مراحل السياحة، وستليها بإذن الله مراحل أكثر تقدما.