إذا تحدثت إلى إنسان بلغة يفهمها فسوف يعقل ما تقول، أما إذا تحدثت إليه بلغته الأم فسيصل ما تقول إلى قلبه نيلسون مانديلا تعتبر اللغة عاملًا أساسياً لاكتشاف وتعزيز التنمية الشخصية، والهوية الثقافية، والتفاهم ما بين الثقافات المتنوعة. وبالإضافة إلى كون اللغة الوسيلة الرئيسية للتواصل الاجتماعي فهي مهمة للنمو الإدراكي لأنها هي العملية التي يتكوَّن من خلالها المعنى والمعرفة. فاللغة هي الأداة الرئيسية لبناء معرفتنا بالعالم ومكاننا فيه. إذن فاللغة مهمة جداًّ للتعلم، وكذلك لمعرفة القراءة والكتابة، وبالتالي فهي وثيقة الصلة بالنجاح في المدرسة. بمناسبة احتفال الأممالمتحدة سنويا بالتعدد اللغوي للغة الأم في جميع أنحاء العالم في 21 فبراير، تشارك منظمة العلوم والثقافة (اليونسكو) ووكالات الأممالمتحدة في الفعاليات التي تعزز التنوع اللغوي والثقافي، كما أنها تشجع الناس للحفاظ على معرفتهم للغتهم الأم أثناء التعلم وأثناء استخدام أكثر من لغة واحدة. وتعتبر الأممالمتحدة هذا اليوم هو فرصة للحكومات والمنظمات غير الحكومية أن تعلن عن سياسات لتشجيع تعلم اللغة الأم ودعمها. تطرح "البكالوريا الدولية" برامج تعليمية عالية الجودة تنطوي على تحدياتّ لمجتمع دولي من المدارس وتهدف إلى خلق عالم أفضل وأكثر سلماً من خلال التفاهم والاحترام بين الثقافات المتنوعة. إن التنمية الثرية للغة الأم وتعلم القراءة والكتابة لجميع المتعلِّمين في برامج "البكالوريا الدولية" مهمة جداً لنجاح هذه البرامج التعليمية والقدرة على تعزيز التفاهم بين الثقافات. وتدرك البكالوريا الدولية أن اللغة تُعدّ جزءاً لا يتجزأ من الهوية التي بدورها تُحدِّد كيف سيتصرف الشخص. وترتبط اللغة الأم ارتباطاً وثيقاً بعلاقة الشخص بالعالم وكيف يشعر تجاه ذلك العالم. وبالإضافة إلى ذلك فإن الظروف الاجتماعية والعاطفية للتعلّم التي تُقدِّر كل اللغات والثقافات وتؤكّد هوية كل مُتعلِّم وتُعزِّز احترام الذات والثنائية اللغوية حيث لا تحل اللغة والثقافة الأخرى محل الثقافة واللغة الأم. يتم استخدام مصطلح "لغة الأم" في أدبيات البحوث بطرق مختلفة. فقد يكون دلالة على اللغة التي يستخدمها الطفل لأول مرة أو اللغة التي تم تحديدها كمتحدث "اللغة الأصلية" أو اللغة المستخدمة أكثر من غيرها من قبل الطفل. ونحن نشاهد اليوم، كمظهر من مظاهر العولمة تزايدا مستمرا في انتقال الناس من بلد إلى آخر وذلك لأسباب عدة منها التعليم أو الرغبة في معيشة أفضل أو للبحث عن فرص للعمل. وبالرغم من أن لهذه الظاهرة فوائد عديدة إلا أن الاغتراب أحيانا قد يؤثر سلبا على إتقان اللغة الأم. فعندما يقوم الآباء وغيرهم من مقدمي الرعاية مثل الأجداد على قضاء بعض الوقت مع الأطفال وقص القصص عليهم أو مناقشة القضايا معهم يطورون بهذه الطريقة من مفردات لغتهم الأم. هؤلاء الأطفال يأتون إلى المدرسة على استعداد جيد لتعلم لغة المدرسة والنجاح تربويا. وقد ينجح المتعلِّمون الذين يتمتعون بمهارات االتواصل بلغتهم الأم في التواصل الاجتماعي بلغة أخرى في وقت قصير بسبب قدرتهم على نقل الفهم الموجود لديهم في لغتهم الأساسية للغة غير اللغة الأم. ومن أهم البرامج في المدارس هي تلك التي تحرص على صيانة وتطوير مهارات اللغة الأم لأنها: تسهل تعلم اللغة الثانية وتؤدي إلى الكفاءة في إتقانها، وتضمن التطور المعرفي المستمر، وتؤدي إلى القدرة على زيادة الوعي والتفاهم بين الثقافات بين الطلاب وأقرانهم، وتمكن الطلاب من البقاء على اتصال مع أدب وثقافة بلادهم، والحفاظ على احترامهم للغتهم، وتمكن الطلاب من الحياة والانخراط في مجتمع وطنهم. إن مستوى إتقان اللغة الأم لدى الأطفال هو مؤشر قوي على تطور اللغة الثانية لديهم. فإن الأطفال الذين يبدؤون المدرسة بأساس متين في اللغة الأم تتطور قدراتهم في لغة التعلم (لغة المدرسة) بشكل أقوى. ومما لا ريب فيه أن تعلم اللغات الأخرى إما للحاجة أو للضرورة فيه فائدة كبيرة في حياتنا، فهو يفتح نافذة جديدة لفهم ومعرفة عالمنا الذي نعيش فيه ويفتح أذهاننا ويجعلنا أكثر فهما واحتراما للثقافات الأخرى والعادات والمعتقدات. وبالإضافة إلى ذلك فإن تعلم اللغات الأخرى قد أثبت أهميته في مساعدتنا على فهم لغتنا الأم بطريقة أفضل. وقد دلت البحوث على أن الأطفال لديهم القدرة على إتقان لغة ثانية أو أكثر كإتقانهم للغتهم الأم، ولكن ما نغفل عنه أن كثيرا من الأطفال ربما يتعرضون لمأساة فقدان لغتهم الأم. إن لتعلم اللغة الأم أهمية كبيرة جداً حيث إنها تؤكد الهوية وبالتالي الثقة واحترام الذات مما يؤثر على الدافعية والنجاح في التعلم وإن للغتنا العربية مميزات لا توجد في غيرها من اللغات فهي مليئة بالجمال وفنون البلاغة. وقد استطاعت اللغة العربية أن تستوعب حضارات مختلفة وهي أداة للتواصل بيننا وبين تاريخنا العرقي ووطننا العربي وأداة لنقل المعرفة والمهارات. وإننا كآباء وتربويين لا بد لنا من دعم تعليم أولادنا اللغة الأم والمحافظة عليها لأن هذا حق من حقوقهم الإنسانية. لذلك يجب أن نحرص كتربويين دائماً على تشجيع طلابنا على تعلم لغتهم الأم والمحافظة على ثقافتهم والاعتزاز بوطنهم الأم. إن لغتنا العربية تمثل ثقافتنا المتميزة ونغمات وألوانا ورصيدا لنا جميعاً. ومن المؤكد أن لغتنا هي كنز حياتنا الغالي، ومن واجبنا أن نتحمل مسؤولية توريثها من جيل إلى جيل. *مديرة مناهج منظمة البكالوريا الدولية