هل يمكن للابتكارات المستقبلية أن تكون على مستوى الاختراعات العظيمة في الماضي؟ هل يمكن للذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد والنواتج الأخرى من الثورة الرقمية أن تقدم للنمو الاقتصادي ما قدمته الثورة الصناعية الثانية بين 1920 و1970؟ المدرسة التقنية المتفائلة في الاقتصاد تقول نعم. وأنا أعترض على ذلك. الارتفاع في مستوى المعيشة في الولاياتالمتحدة من عام 1870 إلى 1970 كان قرنا خاصا - وليس من المرجح أن يتكرر. وسيكون معدل النمو خلال ربع القرن القادم يشبه الوتيرة البطيئة للفترة 20104-2015، وليس معدل النمو الأسرع للفترة 1994-2004، ناهيك عن أن يكون بالمعدل السريع الذي تحقق بين عامي 1920 و1970. الخبر السار هو أن الاقتصاد سوف يكون قادرا على الحفاظ على العمالة الكاملة نسبيا في الوقت الذي تؤدي فيه ثمار الحوسبة إلى أن يتطور العمل ببطء، وليس في اندفاع كبير. أنا متفائل بأن نمو الوظائف سوف يستمر وسوف تظهر وظائف جديدة وبشكل أسرع من تدمير التكنولوجيا للوظائف القديمة. التوسع بين عامي 1920-1970 كان ناتجا عن الثورة الصناعية الثانية، عندما جاء كل من الوقود الأحفوري، ومحرك الاحتراق الداخلي، والمعادن المتقدمة، وأتمتة المصانع معا لإنتاج الإضاءة الكهربائية، والسباكة الداخلية، والأجهزة المنزلية، والسيارات، والسفر الجوي، وتكييف الهواء، والتليفزيون، وزيادة متوسط العمر بمعدلات أكبر بكثير من السابق. (الثورة الصناعية الأولى، ومعظمها في بريطانيا في أواخر القرن الثامن عشر، شاركت في الاستخدام المبكر للحديد والصلب ومحركات البخار وإنتاج المصانع). كثير من الفوائد من موجة المد الثانية من الاختراعات ظهرت في الناتج المحلي الإجمالي، ونصيب الفرد من الناتج، والناتج لكل ساعة. الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج - ومدى سرعة نموها نسبة إلى رأس المال والعمالة المستخدمة، الذي يعد مقياسا لمساهمة الابتكار في النمو - توسعت بسرعة أكبر في الفترة 1920-1970 عما كانت عليه من قبل أو منذ ذلك الحين. استفادت الأسر أيضا من الثورة الصناعية الثانية في طرق لم يكن من الممكن قياسها، بما في ذلك الراحة والسلامة وسطوع الضوء الكهربائي مقارنة مع مصابيح الزيت، والتحرر من كدح حمل الماء عندما أصبح بالإمكان أن تأتي إمدادت المياه النظيفة عبر الأنابيب. المعدل الأبطأ لنمو الإنتاجية منذ عام 1970 هو دليل مهم على أن الثورة الصناعية الثالثة - الناتجة من أجهزة الكمبيوتر والتكنولوجيا الرقمية - كانت أقل أهمية من الثورة الصناعية الثانية. ليس الأمر فقط هو أن معدل النمو كان أبطأ منذ عام 1970، بل إن التحسينات التي كان من الصعب قياسها في نوعية الحياة اليومية، التي أنشأتها الحوسبة، هي أقل أهمية من تلك التي ادخلتها الثورة الصناعية السابقة. صحيح، لا يزال الابتكار مستمرا. في كل أسبوع تقريبا، تقدم سوق الأوراق المالية مكافآت للشركات الجديدة مع تقييمات الطرح العام الأولي تصل إلى مليار دولار أو أكثر. ولكن من المهم أن نميز بين "وتيرة" الابتكار وبين "أثر" الابتكار على الإنتاجية. كان النمو في الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج (المقياس الذي يدل على الابتكار) أسرع بكثير بين 1920 و1970 من قبل عام 1920 أو بعد عام 1970. من الفترة 1970 إلى 1994، كان النمو بنسبة 0.57 في المائة فقط في السنة، أي أقل من ثلث معدل 1.89 بالمائة الذي كان سائدا خلال الفترة 1920-1970. نمو إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج كان بشكل بارز أسرع في الفترة من 1994-2004 مما كان عليه في فترات أخرى بعد عام 1970، ولكن كان ذلك الإحياء الموجز انحرافا: كان أقصر عمرا بكثير وأصغر في الحجم. لماذا تسارع نمو إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج بسرعة بعد عام 1920؟ الفترة الهادرة في عشرينيات القرن الماضي، تليها الاضطرابات من الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية، عملت على إخفاء وتيرة الابتكار السريعة التي بدأت في عشرينيات القرن الماضي، وهربت (مجازيا وحرفيا) في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. وأظهرت الثورة الرقمية أيضا آثارها الرئيسية بعد تأخير لمدة طويلة. على الرغم من أن الحاسوب الرئيسي عمل على تغيير طبيعة الممارسات التجارية بدءا من ستينيات القرن الماضي، وحلت أجهزة الكمبيوتر الشخصي الى حد كبير محل الآلة الكاتبة والحاسبة بحلول الثمانينيات، تأخر الأثر الرئيسي لذلك حتى العقد 1994-2004، عندما غيّر اختراع شبكة الإنترنت، وتصفح الإنترنت، محركات البحث، والتجارة الإلكترونية، تقريبا كل جانب من جوانب ممارسة الأعمال التجارية. النمو في حصة الفرد من الناتج، الذي هو أفضل مقياس لدينا لوتيرة التحسن في مستوى المعيشة، لا يستطيع أن يتقدم بمعدل أسرع من نمو الناتج لكل ساعة، ما لم تكن ساعات العمل للشخص الواحد تُظهِر زيادة. لكن تقاعد جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية يسبب منذ الآن انخفاضا في عدد ساعات العمل للشخص الواحد، والذي من المرجح أن يستمر لمدة 25 سنة أخرى. بالتالي النمو المستقبلي في نصيب الفرد من الناتج سيُقَصِّر عن النمو في الناتج لكل ساعة، جالبا بذلك نمو إنتاجية العمل ومصدره الأساسي، وتيرة الابتكار عند قياسها بحسب استخدام إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج، إلى مركز الصدارة في أي نقاش حول مستقبل النمو في الرفاه الأمريكي. الثورة الصناعية الثالثة تشتمل على العصر الرقمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بدءا من أجهزة الكمبيوتر المركزية الأولى في أواخر الخمسيينات ومستمرة حتى اليوم. ويعزى ذلك إلى معدل لم يسبق له مثيل (ولن يتكرر أبدا) من الانخفاض في سعر سرعة الكمبيوتر والذاكرة، والزيادة التي لا يقابلها شيء أبدا في الحصة من الناتج المحلي الإجمالي المخصصة للاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. حدثت أكبر الإنجازات الرقمية في أواخر التسعينيات، عندما أحيا الزواج بين أجهزة الكمبيوتر والإنترنت نمو الإنتاجية الكلية للعوامل. متصفحات الويب، وتصفح الإنترنت والبريد الإلكتروني أصبحت عالمية. انفجرت السوق بخدمات الإنترنت، وبحلول عام 2004، أكثر عمالقة الإنترنت اليوم كانت قد تأسست. وهل يجب علينا أن نعتبر أن معدل النمو بنسبة 0.40 في المائة من إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج في الفترة بين 2004 إلى 2014 على أنها أساس أكثر ملاءمة للنمو في المستقبل؟ أم هل ينبغي أن تستند توقعاتنا على نسبة 1.02 في المائة التي شكلت نمو متوسط إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج للفترة 1994-2004؟ على الرغم من ثورية آثارها، كانت شبكة الإنترنت محدودة بالمقارنة مع الثورة الصناعية الثانية، التي غيرت كل شيء. لم يكن للأولى تأثير يذكر على المشتريات من المواد الغذائية والملابس والسيارات والأثاث والوقود والأجهزة المنزلية. ترتيب الأظافر في الصالون لا يزال هو نفسه سواء كانت السيدة تقرأ مجلة أو تتصفح الإنترنت عبر الهاتف الذكي. الحواسيب ليست في كل مكان: نحن لا نأكلها، ولا نرتديها أو نقودها إلى العمل. نحن لا ندعها تحلق لنا شعرنا. نحن نعيش في مساكن لديها أجهزة مثل الكثير من تلك الأجهزة التي كانت موجودة في الخمسينيات من القرن الماضي ونحن نقود السيارات التي تؤدي نفس الوظائف التي كانت تؤديها في الخمسينيات، ولكن مع المزيد من الراحة والسلامة. هناك العديد من الأسباب وراء الطبيعة المؤقتة للانتعاش في نمو إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج في الفترة 1994-2004، التي تجعلنا نعتبر تلك السنوات فريدة من نوعها. تراجع التسارع بسرعة لأن معظم الاقتصاد استفاد بالفعل من ثورة الإنترنت. ما هو أكثر من ذلك، أساليب الإنتاج لم تشهد تغيرا يذكر خلال العقد الماضي. في عام 1970، احتاجت الشركات أعدادا لا تحصى من موظفي المكاتب لتشغيل لوحات مفاتيح الآلات الكاتبة الكهربائية التي ليس لديها القدرة على تنزيل المحتوى. ولأنها تفتقر إلى الذاكرة، تتطلب الآلات الكاتبة إعادة كتابة متكررة لكل شيء من المذكرات القانونية إلى الدراسات الأكاديمية. لكن بحلول عام 2000 كان قد تم تجهيز كل مكتب بأجهزة الكمبيوتر الشخصي المرتبطة بشبكة الإنترنت التي ليس فقط يمكنها تنفيذ أي مهمة لمعالجة النصوص، ولكن أي نوع من الحساب بسرعة خاطفة. بحلول عام 2004، تم استبدال إجراءات العمل التي تعتمد على الورق بالتكنولوجيا الرقمية. وكانت الشاشات المسطحة منتشرة في كل مكان. وأصبحت الثورات في الحياة اليومية ممكنة بفضل التجارة الإلكترونية، وأصبحت محركات البحث معروفة ومستخدَمة من قبل الجميع. يعود تاريخ أمازون لعام 1994، وجوجل لعام 1998، وموقعي ويكيبيديا وآي تيونز لعام 2001. ويبلغ عمر فيسبوك الآن أكثر من عشر سنوات. بحلول عام 2005، كانت الشاشات المسطحة قد أكملت الانتقال إلى المكاتب الحديثة، وكانت خدمة الإنترنت السريع قد حلت مكان خدمة الاتصال الهاتفي في المنزل. ولكن بعد ذلك تباطأ التقدم. كانت أواخر التسعينيات ليست فقط فترة من الانخفاض السريع في أسعار القدرة الحاسوبية، ولكنها كانت أيضا فترة من التغير السريع في تقدم تكنولوجيا رقاقة الكمبيوتر. وقد تمت صياغة قانون مور أصلا في عام 1965، الذي تنبأ بأن عدد الترانزستورات على رقاقة الكمبيوتر سيتضاعف كل سنتين. الوقت المضاعف تبع القيم المتوقعة لمدة عامين بدقة خارقة بين عامي 1975 و 1990. ثم زحف الوقت المضاعف ليصل إلى ثلاث سنوات من 1992 إلى 1996، تبعها انخفاض إلى أقل من ثمانية عشر شهرا بين عامي 1999 و 2003. وبلغ الوقت المضاعف أدنى مستوى وصل لأربعة عشر شهرا في عام 2000. تكنولوجيا الرقاقة تسببت في انخفاض سريع في نسبة «السعر إلى الأداء» في أجهزة الحاسوب. ولكن منذ عام 2006، بدأ قانون مور يتصرف بطريقة غريبة: ارتفع الوقت المضاعف إلى ثماني سنوات في عام 2009 ثم انخفض تدريجيا إلى أربع سنوات في عام 2014. اليوم، المعدات المكتبية وإنتاجية العاملين في المكاتب تشبه تلك التي كانت قبل عقد من الزمن. تواصل إنتاجية الأعمال الاستمتاع بزيادة دائمة في الراحة الشخصية بخصوص العمل، وهي الزيادة التي تحقيقها بين عامي 1930 و1970 من خلال إدخال أجهزة تكييف الهواء في المكاتب. ولكن كل هذا حدث قبل 15 إلى 25 سنة، ويمثل قفزة لمرة واحدة في «مستوى» الإنتاجية - وبالتالي زيادة مؤقتة بدلا من زيادة دائمة في «معدل نمو» الإنتاجية. وعلى النقيض من العقد أو نحو ذلك من الاستقرار في العمل، الحياة داخل المنزل كانت مستقرة منذ ما يقرب من نصف قرن. بحلول الخمسينيات، كان قد تم اختراع جميع الأجهزة المنزلية الرئيسية (الغسالات والمجففات والثلاجات وأفران الغاز وغسالات الصحون وآلات طحن القمامة)، وبحلول أوائل السبعينيات، كانت قد وصلت إلى معظم الأسر الأميركية. وإلى جانب فرن المايكروويف، أهم تغيير كان الراحة التي يوفرها تكييف الهواء. بحلول عام 2010، كان ما يقرب من 70 في المائة من المساكن في الولاياتالمتحدة مجهزة بالتكييف المركزي. وكانت التغييرات الرئيسية في المنزل منذ عام 1965 هي في فئات وسائل الترفيه وأجهزة الاتصالات والمعلومات. انتقل التلفزيون إلى العرض الملون بين عامي 1965 و 1972، ثم زاد التنوع مع تلفزيون الكابل في السبعينيات والثمانينيات، وأخيرا تم تحسين جودة الصورة من خلال التلفزيون عالي الوضوح HD. وزاد التنوع إلى ما هو أبعد من ذلك عندما جعلت كل من شركة بلاكباستر ومن ثم نيتفليكس من الممكن استئجار طائفة لا حصر لها تقريبا من أقراص الفيديو الرقمية للأفلام السينمائية. الآن، البث المباشر للأفلام يعتبر أمرا شائعا. خلال العقد الماضي، استطاعت المساكن الاستفادة من الترفيه والمعلومات عن طريق الإنترنت السريع، وجعلت الهواتف الذكية من الإنترنت أداة محمولة. لكن الآن أصبحت السوق مشبعة بالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وأصبح من الصعب تحقيق تقدم في الإلكترونيات الاستهلاكية. الإحساس بأن التغير بطيء أصبح ملموسا في مؤتمر الإلكترونيات الاستهلاكية لعام 2014، حيث شعر الحضور بالتراجع في مستوى العروض التي لم تصل إلى مستوى أجهزة تسجيل الفيديو كاسيت في 1970، وأجهزة تشغيل الأقراص المدمجة في 1981، وتلفزيون HD في 1998 أو لعبة إكسبوكس من مايكروسوفت في 2001. رغم هذه الأشياء جميعا، كان أثر ثورة الكمبيوتر على إجمالي عوامل الإنتاج قصيرا، وتباطأ النمو في العقد الأخير. مأخوذ من كتاب المؤلف بعنوان «صعود وسقوط النمو الأمريكي: مستوى المعيشة الأمريكية منذ الحرب الأهلية».