تنوعت وتعددت اللقاءات والبرامج التي نظّمها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، طيلة مسيرته خلال الأعوام الماضية، وما يجمع بينها جميعا أنها تنتظم وتلتف حول هدف واحد، وهو تعزيز روابط اللحمة الوطنية بين جميع الأطياف الفكرية، ونشر ثقافة الوسطية والاعتدال والتعايش بين تلك الأطياف في المجتمع عبر الحوار. وهذا لإيمان المركز العميق أن تلك الثقافة هي ما يحتاجه أي مجتمع أمام ما يهدد وحدته وأمنه، وأنها ستكون السد المنيع أمام المخاطر التي قد تعترض مسيرته في النمو والنماء، وإدراكاً منه بأن الاختلاف والتنوع الفكري واقع مشاهد في حياتنا، وطبيعة من طبائع البشر التي يمكن استثمارها وتوجيهها الوجهة السليمة التي تخدم أهداف المملكة وثوابتها وقيمها الشرعية والوطنية. وأبرزت البرامج الحوارية التي طرحها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني خلال العام الجاري العمل الدؤوب والجاد من المركز لتكريس مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش، والإعلاء من قيم الانتماء والوحدة الوطنية. ففي أحد البرامج التي أطلقها المركز قبل أيام قليلة وهو برنامج "تبيان للحوار ووقاية الشباب من الفكر المتطرف"، في نسخته التجريبية، كانت هناك دعوة حقيقية لترسيخ القيم الأساسية التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف، ومن أبرز هذه القيم، الوسطية، الاعتدال، والتسامح، ومن ينظر إلى مشاهد التطرف العابرة للبلدان يرى أنها أصبحت تشكل خطراً على قيم كثيرة، وأن الأخطر من ذلك هو محاولة ربط تلك الأعمال والجهات التي تقف وراءها بالإسلام. وبرنامج تبيان وغيره من البرامج المشابهة التي نفذها المركز منفردا أو بالتعاون مع المؤسسات العلمية والفكرية في المجتمع تهدف لتبيين معالم التسامح والتعايش وتوضيح صور الاعتدال والوسطية الموجودة في عقيدتنا وفي ثوابتنا الوطنية، فديننا دين السلام ودين التسامح، وليس فيه ما يدعو إلى الإرهاب والتفجير، والتطرف والتعصب، كما تريد بعض الجهات المغرضة إظهاره، وكما تريد بعض وسائل الإعلام الغربية نشره وبثه وربطه بالإسلام. ويدعو "تبيان" لأن يكون الجميع سفراء للوسطية، حيث من خلاله يتحد الجميع لمواجهة التحديات الفكرية الكثيرة، خاصة وأن معظم ظواهر الغلو والتطرف تسعى للاستئثار بتوجهات الشباب ومحاولة التأثير عليهم سلبا. وتفرض مثل هذه التحديات ضرورة التكاتف لتوحيد الرأي والرؤى لصنع أجيال جديدة تتحلى بالفهم الصحيح للحوار وآدابه ودوره، ليكون طريقا وآلية لنشر الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش بين جميع الأطياف الفكرية، للحفاظ على وحدة المجتمع بمختلف مكوناته، خاصة وأن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يعول كثيرا على شريحة الشباب، لإيصال رسالته وتأصيل القيم النبيلة المتسامحة التي يتحلى بها معظم أبناء المجتمع السعودي. تبيان والوسطية وكانت أكاديمية الحوار للتدريب التابعة لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني قد اختتمت قبل أيام برنامج المدرب المعتمد بنسخته التجريبية للوقاية من التطرف، والذي استمر على مدار خمسة أيام، بمشاركة 40 مدربا معتمدا من نخبة من المختصين والباحثين من الرجال والنساء حصلوا جميعهم على شهادات التدريب المعتمد في حقيبة "تبيان" التي تعنى بمناهضة التطرف والتعصب. وقد سبق لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أن نظم بمشاركة مع جامعة طيبة بالمدينة المنورة ملتقى "سفراء الوسطية" في بدايات العام 1437ه بمشاركة 20 جامعة سعودية، وقد كانت استجابة المشاركات والمشاركين في الملتقى متميزة، تدل على هذا الزخم الوطني الذي يشكل محفزاً كبيراً لطرح الآراء والأفكار والتصورات. وقد شكّل الملتقى انطلاقة فعّالة للتعاون بين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وجامعة طيبة، خاصة وأن برنامج "تبيان" الذي انطلق منه الملتقى من البرامج التي تعنى بشريحة الشباب، لأنهم هم من يشكلون المستقبل، وهم من سيواجهون التحديات بمختلف أنماطها. مقاومة التطرف وفي نشاط مجتمعي وإعلامي جديد قدمه ورعاه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني مؤخرا جاءت فكرة تنظيم مسابقة "حواركم" للأفلام القصيرة، والتي وزعت فيها جوائز للشباب خلال حفل الأسبوع الماضي، وكان من أهم أهداف المسابقة إعطاء الشباب فرصة المشاركة في التعبير عن قضايا الحوار وأهدافه، خاصة فيما يتعلق بالوحدة الوطنية والتسامح والتعايش، وهي القضايا التي يوليها المركز الكثير من العناية ويركز عليها في برامجه الحالية، وتهدف المسابقة أيضا لبيان أهمية الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام الجديد في صناعة الرأي والتأثير والتغيير. وقد ركّزت الأفلام المشاركة على قيم: التآخي، والتواصل الاجتماعي والحوار بين مختلف الأطراف، والسعي إلى إبراز خطر التفتت والتشرذم المهلك، وأن التطرف يؤدي إلى إقامة جدران عازلة بين الأفراد وبين شرائح وأطياف المجتمع المختلفة. الجدير بالذكر أن خمسة أفلام فازت بجوائز المسابقة هي: "المعاني المفقودة" و"مارق" و"ذرة" و"المدرسة" و"التسامح". كما حازت عشرة أفلام قصيرة أخرى على الجوائز التشجيعية للمسابقة، حيث رأت لجنة التحكيم أنها تستحق جوائز تشجيعية لما فيها من جهد فني، وما قدمته من مضامين تحث على مبادئ الوحدة الوطنية، والتسامح، والاعتدال، وعلى محاربة الغلو والتطرف والإرهاب.