يتساءل الكثيرون عن الوصفة الفاعلة التي يعتمدها المغرب لمحاربة التطرف والمتطرفين، وتتساءل دول ومنظمات وأفراد وجماعات عن الطرق المعتمدة في هذه المملكة، لتكسر شوكة المتشددين، في الوقت الذي عجزت فيه دول ومؤسسات استخباراتية عن توقيف عجلة الإرهاب، واهتزت أركانها في أكثر من مناسبة، وتناثرت أشلاء مواطنيها في أكثر من مكان. فما هي الاستراتيجية التي يعتمدها المغرب، للبقاء محصنا ضد عشرات التهديدات التي يتلقاها من المتطرفين والإرهابيين، وكيف نجح المغرب في وأد عدة محاولات تستهدف أمنه وأمانه. وما هي الاستراتيجية التي يعتمدها للوقوف في وجه كل المحاولات المعلنة والمسكوت عنها، على حد السواء، لتفكيك شفرة الإعداد المبكر والتخطيط الدقيق، للقيام بتفجيرات إرهابية؟ رغم أن الإحصائيات الرسمية التي توصلت لها المخابرات المغربية تقول: إن عدد المغاربة الموجودين حاليا في بؤر الصراع في العراق وسوريا، يبلغ 1200 شخص ممن يحملون الجنسية المغربية، منهم من يتواجد في مراكز متقدمة من هرم المسؤولية في التنظيم الإرهابي المتطرف داعش، وأغلبهم معروف لدى الاستخبارات المغربية، على اعتبار أن منهم من كان خلف أسوار السجن واستفاد من عفو ملكي، قبل أن يشده الحنين مجددا إلى التطرف ويركب صهوة المغامرة للالتحاق بمعقل داعش. توحيد الجهود الأمنية في خطوة لافتة تستهدف تجميع المعطيات الأمنية في بوتقة واحدة، تم استحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية تنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس من أجل تعزيز التحكم الأمني الجيد، طبقا للمقتضيات الجديدة للدستور. ويختص المكتب المركزي للأبحاث القضائية بمواجهة الجرائم الإرهابية، وكل الجرائم التي تمس أمن الدولة الداخلي والخارجي، والجرائم والجنح المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تسمح له بالتقاط المكالمات، والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، إذا كانت الجريمة موضوع البحث تمس بأمن الدولة، أو جريمة إرهابية، أو تتعلق بالعصابات الإجرامية، أو بالقتل والتسميم، أو بالاختطاف، وحجز الرهائن. كما يختص بالبحث والتحري في جرائم صنع أو حيازة أو نقل أو ترويج أو استعمال الأسلحة أو المتفجرات أو الذخيرة، وفي قضايا الاتجار في المخدرات. في هذا السياق، تمكنت الاجهزة الامنية بمختلف تخصصاتها من إفشال 109 عمليات اغتيال لشخصيات مدنية مغربية، و119 تفجيرا لمرافق عمومية، وأحبطت 41 هجوما مسلحا، واعتقلت حوالي 2720 شخصا متورطا في أعمال إرهابية، بالإضافة إلى اعتقالها 156 عائدا إلى المغرب، كانوا يحاربون لصالح متطرفين تابعين لتنظيم "داعش" الإرهابي في بعض بؤر التوتر الدولية، أهمها العراق وسوريا. وفكّكت الأجهزة الأمنية المغربية ما يقارب 140 خلية إرهابية منذ عام 2002، حيث تضاعف عدد الخلايا المفككة بثلاث مرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وتأتي هذه الضربة الأمنية في سياق تفاعل المغرب مع التطوّرات الدولية في مجال مكافحة الإرهاب، سواء "من خلال توفير المزايا للوظائف الخاصة بالمجال الأمني وزيادة عددها، أو استحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية هذا العام، فضلًا عن إطلاق مخطط "حذر"، وهو المخطط الذي قام المغرب من خلاله بنشر وحدات أمنية متخصصة قرب المناطق العامة الحساسة في المدن، التي تجوب هذه الأمكنة وهي تتحصن بأسلحتها وعلى أهبة الاستعدادا لمواجهة أي طارئ، حيث تعايش المواطن المغربي مع هذا المنظر الذي لم يألفه من قبل، خاصة وأن عناصر "حذر" مدربة تدريبا عاليا، وتجوب الشوارع الرئيسية والمواقع الحساسة بزيها العسكري. درس تفجيرات الدار البيضاء واحتواء رؤوس الفتنة العارفون ببواطن الأمور يرون أن تفجيرات الدار البيضاء، التي هزت أركان خمسة مواقع في شهر مايو من العام 2003، كانت درسا بليغا للسلطات المغربية، حيث تم اختراق سياجها المتين ويقظتها الأمنية، بفعل هذا الحادث الذي خلف 45 قتيلا ضمنهم 13 انتحاريا، وسط ذهول محلي ودولي، حيث تمت إعادة النظر في المنظومة الأمنية، وهو ما أعطى ثماره وتم التوصل بسرعة فائقة إلى أن جماعات دينية متطرفة، كانت تمرح وسط المجتمع المغربي، وتتغلغل بأفكارها المتطرفة وسط شباب ينحدر من أحياء البؤس ومناطق فقيرة. وكان من البديهي أن يتم وضع خطة مضادة، لأن ما وقع كان عنوانا لانفلات أمني خطير، حيث تم التعامل مع الحادث بكل صلابة، وتم توقيف عدد كبير من المنتمين لتيارات الهجرة والتكفير والسلفية الجهادية، وشنت السلطات حملة على رؤوس الفتنة، وتم اعتقال شيوخ السلفية الجهادية، وحكم عليهم بسنوات طويلة من السجن، قبل أن يفرج عن أغلبهم بعفو ملكي بعدما تم التراجع عن أفكارهم، وأعلنوا عن ذلك وتمت المصالحة وتصفية نسبة من هذا الملف الشائك، مع ما رافق ذلك من إحباط محاولة ارساء تنظيم القاعدة في المغرب العربي، بمساعدة الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية. في شهر يونيو الفائت فقط تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، من تفكيك خلية إرهابية تتكون من 9 أفراد، ينشطون بمناطق متفرقة من المغرب، وقد أظهرت المعطيات الدقيقة أن أفراد هذه الخلية الإرهابية استطاعوا اقامة قنوات اتصال سرية بقادة تنظيم ما يسمى ب"داعش" بالمنطقة السورية العراقية، في إطار تنسيق عمليات إرسال متطوعين مغاربة لهذه البؤرة المتوترة وتوفير الدعم المادي اللازم لتمويل هذه العمليات. ويؤكد تفكيك هذه الخلية الإرهابية عزم وإصرار هذا التنظيم الإرهابي على إيجاد موطئ قدم بالمملكة المغربية عن طريق خلق خلايا نائمة تتكون أساسا من مقاتلين مغاربة استفادوا من مختلف التدريبات العسكرية في معاقل تنظيم "داعش"، وذلك تمهيدا لتنفيذ عمليات إرهابية بالمغرب. كما تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أيضا من تفكيك خلية إرهابية تنشط بمدينة بركان، شرق البلاد تتكون من 7 أفراد، أعلنوا بيعتهم للخليفة المزعوم لما يسمى ب"داعش". وكشفت التحريات الدقيقة أن المشتبه فيهم خططوا لتنفيذ عمليات إرهابية خطيرة بالمملكة، تتمثل في اختطاف وتصفية من يخالف معتقداتهم الضالة بالإضافة للسياح الذين يرتادون المنتجعات السياحية بالمنطقة الشرقية للبلاد، وضرب منشآت حساسة، وذلك بهدف بث الرعب في نفوس المواطنين وزعزعة الاستقرار، حيث انخرطوا في تدريبات شبه عسكرية مكثفة بإحدى المناطق الجبلية المتواجدة قرب مدينة بركان، استعدادا لاستهداف رجال الأمن بهدف الاستيلاء على أسلحتهم الوظيفية لاستعمالها في اغتيال مسؤولين عسكريين، بناء على "فتوى" تلقاها أمير هذه الخلية من أحد القادة الميدانيين ل"داعش" بالساحة السورية العراقية. الضربات الاستباقية واعتقال إرهابيين أجانب توالى تفكيك الخلايا النائمة في ضربة استباقية أبهرت المتتبعين وخلفت ارتياحا كبيرا خاصة بعدما تم اعتقال أجانب دخلوا البلاد بقناع السياحة، ولكنهم كانوا قادة ميدانيين وكانوا على تنسيق مع عناصر تابعة لتنظيم داعش. وكشف التتبع ارتباطات هؤلاء الأجانب بمقاتلين سابقين بمعسكرات تنظيم القاعدة بأفغانستان، وكذا تورط عناصر نسوية في هذا المخطط الإرهابي، سبق وأن أقمن بهذه البؤرة المتوترة قبل إعلان موالاتهن ل"داعش". وتم توقيف ثلاثة مواطنين أفغان أحدهم من أصول باكستانية بمطار مراكش - المنارة أثناء محاولتهم مغادرة المغرب في اتجاه الدانمارك مستعملين جوازات سفر باكستانية مزورة، وبحوزتهم رسائل مشبوهة ذات حمولة جهادية، عن رصد شبكة دولية للتهجير، تنشط بالعديد من الدول، إضافة إلى اعتقال سوريين وجزائريين ومغاربة يحملون جنسيات أجنبية. عمليات مغربية خارج تراب المملكة لم تكتف الاستخبارات المغربية بتحصين بلادها فقط من الهجمات الارهابية، بل ساهمت في عمليات خارج تراب البلاد، ومن بينها إرشاد السلطات الفرنسية إلى مكان تواجد "عبدالحميد أبا عود"، العقل المدبر لهجمات باريس الارهابية الأخيرة، والقبض على "مهدي نموش" منفذ الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسل، وهي عمليات تمت بفضل معلومات واردة من المخابرات المغربية، حيث تقدمت باريس بالشكر للمغرب شأنها في ذلك شأن بلجيكا التي دعا ملكها المغرب بشكل مباشر إلى المساعدة وتقديم الدعم الاستخباراتي لبلاده التي تحتضن ما يقارب 500 ألف مواطن من أصول مغربية. لا أحد يعرف بالضبط الرقم الحقيقي الذي يعمل في دائرة الاستخبارات المغربية وهو أمر بديهي حيث تقول مصادر (اليوم): إن 70 في المائة من معلومات جهاز المخابرات تأتي من المخبرين والعملاء، أي من العنصر البشري أساسا، فيما تأتي 30 بالمائة المتبقية بواسطة استعمال تكنولوجيا التجسس المتطورة، والمراقبة بالأقمار الاصطناعية، أو المراقبة الإلكترونية. المقاربة الدينية ومحاصرة التطرف لا يقف المغرب عند المقاربة الأمنية فحسب، بل إنه فطن إلى أن محاربة الإرهاب يتوجب مزاوجتها بمقاربات أخرى مثل المقاربة الدينية أو الروحية. وكان المغرب أطلق قبل أكثر من سنة خطة لإصلاح الحقل الديني "تقوم على تحصين المساجد من أي استغلال والرفع من مستوى التأهيل لخدمة قيم الدين ومن ضمنها قيم المواطنة وذلك في إطار مبادئ المذهب المالكي". وذهبت الخطة الهادفة إلى تحصين المغرب من التطرف الديني إلى حد تأهيل المغرب لأئمة ينتمون إلى دول افريقية عديدة، حيث طلبت هذه الأخيرة من بينها ليبيا ومالي والسنغال وغينيا وساحل العاج والغابون تأهيل أئمة مساجدها، وأضيفت إلى قائمة هذه الدول مؤخرا فرنسا. عبد الحق الخيام - مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية القوات الخاصة مقر المكتب المركزي للأبحاث القضائية عناصر أمنية مدربة على مواجهة الإرهاب