بالطبع فإن مستوى التعليم ليس المحدد الوحيد لاختيار الجامعة، فموقع الجامعة الجغرافي أحد أهم معايير اختيار الجامعة، إضافة إلى أسباب متعددة أخرى. يلخص أسواث داموداران (Aswath Damodaran) الأستاذ في جامعة نيويورك عدداً منها في مدونته، والتي جاءت في سياق مقارنة التعليم عن بعد بالبرامج التقليدية، حيث وصف التعليم الجامعي بأنه "حزمة منتجات" تشمل ما يلي: 1- معايير الاختيار، وهو قدرة الطالب على اجتياز متطلبات القبول الصعبة والحصول على خطاب القبول في جامعة مرموقة. 2- هيكلة الخطط الدراسية، وهي كون الجامعات تقرر متطلبات التخرج لكل من برامجها، من حيث المواد والوقت المطلوبين، وتقسيم المواد ما بين لازمة واختيارية. 3- الحصص الدراسية، حيث تلقى المواد في الفصول الدراسية التابعة للجامعة، ويتم اختبار الطلاب للتأكد من مستوى تحصيلهم. وتعطي الحصص فرصة للتعلم من خلال التفاعل مع المدرسين والطلاب الآخرين. 4- بناء العلاقات والشبكات الاجتماعية، حيث تخدم هذه الشبكات أفرادها في مستقبلهم الوظيفي بشكل كبير، وتوفر لهم الفرص الوظيفية والاستثمارية المستقبلية. (تحرص الجامعات الراقية على رعاية منظمات لخريجيها لهم وفتح فروع لها في أنحاء العالم، فضلاً عن نوادي النخبة فيها). 5- النصائح المهنية، حيث تهتم الكثير من الجامعات بتوفير مراكز لتوجيه الطلاب ومساعدتهم في مستقبلهم المهني. 6- الترفيه، وهو يمثل واقعياً جزءاً مهماً من التجربة الجامعية، وهو يشمل الفعاليات الرياضية وغيرها التي تقام في الجامعة، إضافةً إلى دراسة فصل في خارج دولة الجامعة. 7- التعليم، وهو ما تطمح الجامعات لتقديمه لطلابها، ولكن لا توجد طريقة لقياس مدى تحقيقه. والأستاذ أسواث يتحدث فيما سبق عن تجربته الشخصية في التعليم عن بعد كمبادرة منه، ولكن مع توجه العديد من الجامعات إلى التعليم عن بعد فإنها بدأت توفر للطلاب عدداً أكبر من هذه "المنتجات". أما من حيث التعليم بحد ذاته فلعل التعليم عن بعد يقدم فرصاً أوسع وأكبر لتوفير التعليم وتطوير جودته. مع انتشار مؤسسات التعليم عن بعد، ظهرت تحليلات تقول إن نموذج الجامعات التقليدية يتعرض للتهديد وهو في طريقه للانقراض. ولا أعني هنا الجامعات الإلكترونية الربحية والتي لا وجود حقيقي لها كمبان وفصول جامعية، وإنما المؤسسات التي تقدم المواد التعليمية المفتوحة المصادر (MOOCs) مثل مبادرة إد إكس (edX) وهي مؤسسة غير ربحية تقدم التعليم المجاني عبر الإنترنت، وسبقتها مؤسسات مماثلة بعضها ربحي مثل كورسيرا (Coursera) و بوداسيتي (Udacity)، وانضم مؤخراً إليها موقع رواق السعودي. وفي الحقيقة أن التعليم عن بعد كان متوفراً قبل نموذج ال MOOC عند جامعات عديدة بعضها تصنف من أرقى الجامعات مثل هارفارد وستانفورد وكولومبيا وغيرها، والتي تقدم برامج أكاديمية معتمدة من بكالوريوس وماجستير ودكتوراه ودبلوم. وبعضها يقدم عن طريق الوقت الجزئي أو الانتساب، والكثير منها عبر الانترنت ولا يستلزم الحضور بتاتاً، وعدد كبير من هذه البرامج قديم وتم تطويرها بشكل جزئي مع الانترنت. ولعل هذا مدخل مناسب لموضوع المقال القادم عن مستقبل التعليم بإذن الله. وأختم هذا المقال بملاحظة أنه من الغريب مع توجه العديد من أفضل جامعات العالم نحو التعليم عن بعد فما زالت لوائح وزارة التعليم لا تعترف به، باستثناء البرامج الإلكترونية التي تقدمها الجامعات المحلية!