قوبل إخلاء محكمة التمييز العسكرية في لبنان أمس سبيل الوزير والنائب السابق ميشال سماحة مقابل كفالة مالية بمائة ألف دولار أمريكي بانتقادات واسعة من مسؤولين وسياسيين لبنانيين، وأثار القرار المباغت لمحكمة التمييز العسكرية اللبنانية التي جرى في منتصف سبتمبر الماضي تعديل في هيكلها بتخلية سماحة صدمة وذهول واسعة بين اللبنانيين، لأن سماحة المتهم والمثبتة اعترافاته في ملف نقل المتفجرات بالتواطؤ مع المسؤول الاستخباري في النظام السوري علي المملوك كاد يرفع اشارة النصر "السياسية" والشخصية لدى وصوله الى منزله عقب موافقة المحكمة على تخليته، لان أبعاد اطلاقه وتوقيته وملابساته لم تقف عند حدود الغضب الواسع الذي اشتعل في وجه القضاء العسكري وألهب الحملة السياسية الأعنف في وجه هذا القضاء بل تجاوزت ذلك الى الاخطر أي البعد السياسي وربما الرئاسي. وفي البعد الشعبي المباشر فإن اطلاق سماحة ألهب سخطاً في الشارع كاد يتسبب بإثارة حساسيات معروفة اذ قطعت ليلاً طرق عدة في بيروت امتداداً الى خلدة، كما تمدد قطع الطرق الى طرابلس واقليم الخروب ومناطق أخرى، تعبيراً عن الاحتجاج العارم على تخليته ورفضا لقرار المحكمة العسكرية. وسارع وزير العدل اللواء اشرف ريفي الى "نعي المحكمة العسكرية التي تميز بين اجرام صديق واجرام عدو" ليبلغ الى القول: "بئس هذا الزمن الذي يتآمر فيه قاض وضابط على أمن وطنه". وفي البعد السياسي، فإن ردود الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة من جهة ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع من جهة أخرى، رسمت اطاراً متقدماً للغاية في اطار المواجهة السياسية التي أعاد هذا التطور الهابها على المستوى الداخلي. وإذ تميّز الرد الاولي للحريري بوصفه "اجماع الضباط على القرار بأنه عار ومشبوه ومكافأة للمجرم لن اسكت عنه"، عاود الحريري ليلاً الرد ضمنا على تصريح لرئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد هاجم فيه منتقدي قرار المحكمة وقال الحريري إن "المدافعين عن المجرم أكثر اجراما منه". وأضاف ان "أول الغيث الرد على هذه الهرطقة القانونية بمشروع تعديل صلاحيات المحكمة العسكرية". واعتبر السنيورة قرار المحكمة العسكرية "ضرباً بعرض الحائط لكل القوانين والأسس القضائية التي يفترض انها تحقق العدالة وجاء ليقدم هدية للمجرم على طبق من ذهب". أما الرد السياسي لجعجع، فاتسم ببعد مهم للغاية اذ أعلن "أن قرار المحكمة العسكرية بتخلية ميشال سماحة سيترك أثراً على الجهة التي تقف وراءه"، وقال: "لا نريد انتخابات رئاسية اذا ستكون الدولة على هذا الشكل". ووصف هذا اليوم ب"اليوم الأسود في تاريخ لبنان، بعيداً عن السياسة"، متسائلاً: "كيف يمكن مواطناً لبنانياً تآمر مع جهة خارجية ونقل متفجرات من عندها ليقوم بأعمال تفجير وقتل في الداخل اللبناني، وحاول تجنيد أشخاص في الداخل لتنفيذ هذا المخطط، ثم اكتشفه جهاز أمني محدد وتوقفت العملية عند هذا الحد، فكيف يمكن أحداً منّا أن يستوعب أو يقبل أو يُسامح القرار الذي صدر اليوم؟". وأفادت معلومات من مصادر قانونية مطلعة انه منتصف سبتمبر الماضي جرى تعديل في هيكلية محكمة التمييز العسكرية المؤلفة من القاضي طوني لطوف رئيسا والاعضاء العمداء: طوني شهوان، احمد الحصني، علي ابي رعد وسامي خوري، فجرى استبدال العميدين شهوان والحصني بالعميدين غبريال خليفة وأسامة عطشان. واعتبرت ان لهذا التبديل علاقة بتأمين الاجماع على القرار. وقال النائب مروان حمادة: "لقد أثبت القضاء العسكري في لبنان ضرورة اللجوء الى المحكمة الدولية للتحقيق والحكم في الاغتيالات التي طالت الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقادة ثورة الاستقلال، وآخر من يحقّ له أن يتفوّه بكلمة هو النائب محمد رعد الذي لا يزال يحمي أمثال ميشال سماحة". حكم ملغم من جهته، جزم عضو المكتب السياسي في تيار "المستقبل" المحامي محمد المراد في تصريح ل"اليوم" ان "هذا القرار ومن الناحية القانونية البحتة يسترعي انتباه كل رجل قانون بحيث ان هذا القرار أكد على ان ميشال سماحة يحاكم امام محكمة التمييز العسكرية بجرائم الارهاب والشروع في اعمال الخطف واستهداف السياسيين ورجال الدين والابرياء واثارة الفتنة كما اكد هذا القرار على ان الحكم الذي صدر عن المحكمة العسكرية هو حكم ملغم"، معرباً عن أسفه انه "بعد كل هذه الحيثيات تنبأ عند القارئ بان محكمة التمييز ستصدر قراراً بتوقيف فإذا بخلاصة القرار تخلية سبيله مع اسقاطها عمداً القسم الثاني من نص المادة 75 اي هذا القسم الثاني الذي ينص على انه للمحكمة ان تبقي المتهم موقوفاً امامها اثناء المحاكمة بعد تعليل قرارها وهذا يكون بالجرائم القتلة كالجرائم الارهابية". وقال: "لقد تعمد القرار الهروب او التهرب من تعليل عدم التوقيف، وهذا ان دل على شيء فإنه يدل على ان هذا القرار جاء بعيداً عن روح القانون وجاء متجاوزاً لمخاطر هذا المشروع الجرمي الذي من شأنه كان ان يودي بالاستقرار والانتظام العام في البلد تجاوز كل هذه المعطيات وكل هذه الحقائق كما انه تجاوز كل انجازات الاجهزة العسكرية والاجهزة الامنية ليصل في خلاصة يرفضها العقل والمنطق كما ترفضها العدالة كما يرفضها الامن الوطني العام". أضاف المراد: "في حقيقة الأمر وبقراءة موضوعية للقرار وباحتضان فريق ما لهذا القرار والدفاع عنه وهذا الفريق هو المحتضن اصلاً لميشال سماحة لا يمكن بحقيقة الأمر وبكل أسف، ان مرتكزات هذا القرار وإن اهدافه والمعطيات التي بنيت عليها والدوافع التي أدت الى صدوره ليس لها ذلك البعد القانوني وليست مرتكزة على روح العدالة والأمن الاجتماعي". وختم المراد: "فليكف من يتدخل لصالح ميشال سماحة في هذه القضية عن تدخله"، مؤكداً ان "الارهاب له هوية واحدة القتل والقتل والقتل". شريعة الغاب من جهته، شدد المحلل السياسي والصحافي يوسف دياب في تصريح ل"اليوم" على ان "القرار مفاجئ وصادم في الوقت ذاته لسببين اساسيين، أولاً كون سماحة ملاحق بجرائم ارهاب وقتل ومحاولة قتل وقانون العقوبات ينص على عقوبة مشددة وقاسية جداً اذا كانت المحكمة بحسب ما طبق قانون العقوبات كما يجب المحكمة تقتضي بالعقوبة الدنيا اي عشر سنوات أما العقوبة القصوى فهي 20 سنة، لكن يبدو ان المحكمة العسكرية اكتفت بالمدة التي توقف بها سماحة واطلق سراحه، اما المسألة الثانية الصادمة أيضاً، ان اخلاء سبيله أتى قبل ان تكتمل المحاكمة أي قبل انتهاء المحاكمة لهذا اثار هذا القرار التباسات كثيرة وطرح العديد من علامات الاستفهام حول سبب اطلاق سراحه وما اذا كان هنالك اعتبارات سياسية او غير سياسية ادت الى اطلاق سراحه في هذا الوقت". وأوضح دياب انه "لو قدر للذي خطط له ميشال سماحة ان يتنفذ لكان البلد اليوم في مكان آخر لكانت اشتعلت الفتنة الطائفية والمذهبية في البلد على مستوى واسع جداً هذا اولاً، ثانياً الحكم الذي صدر بحق ميشال سماحة يقول لغالبية اللبنانية او لمعظم الذين يتعاملون بمكيالين في ما خص المحاكمة وخصوصاً امام المحكمة العسكرية اذهبوا الى التطرف فلا خيار آخر لديكم". أضاف: "اذا ضبط مع أشخاص قادمين من سوريا الى لبنان سكين يتم اعتبارهم إما "داعش" أم "جبهة النصرة" ويحكم عليهم بالاشغال الشاقة ويقدمون كارهابيون خطيرون، اما من ضبط معه 25 عبوة ناسفة ووضع مخطط لاغتيال رجال الدين ونواب وشخصيات سياسية وتفجير موائد افطار، اكتفوا بتوقيفه لمدة ثلاث سنوات هذا يعني ان القوي يجب ان يأخذ حقه وفلنعش في شريعة الغاب التي لا يحكمها القانون بل القوي الذي يسيطر على البلد والمنطقة"، مشدداً على ان "هذا مؤشر خطير جداً اذا استمررنا في هذه المعادلة"، متمنياً على "المحكمة عندما تنتهي المحاكمة ان تعيد النظر بالقرار".