بدأت رحلتي مع التفسير من الأيام الأول التي التحقت فيها طالباً في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف، حيث كان تأثري عظيماً بأساتذة التفسير خاصة لما لديهم من لياقة ولباقة علمية وإجادة وإبداع في أكثر فنون العلوم العربية والإسلامية، ولذا تمنيت أن أكون مثلهم أو متشبهاً بهم، خاصة وإنني ولله الفضل والمنة كنت من أوائل الطلاب في الثانوية الأزهرية، وكنت صاحب أعلى مجموع يلتحق بكلية أصول الدين في هذا العام الذي هو العام الأول لي في الجامعة، وبدأت أترك بعض محاضراتي وأذهب لأستمع لشيخنا أ د/جودة محمد المهدي أحد أعلام التفسير في جامعة الأزهر المعروفين -رحمه الله رحمة واسعة-، وبدأ تأثري بهذا العالم النحرير والمفسر الكبير يزداد يوماً بعد يوم، حتى شاء الله والتحقت بقسم التفسير بالكلية ثم تخرجت وعينت معيداً بنفس القسم، وبدأت أبالغ في العناية بموضوع رسالة الماجستير فيسر الله لي الكتابة في موضوع (الوصايا العشر في سورة الأنعام دراسة تحليلية موضوعية)، وحصلت بها على درجة التخصص الماجستير في أصول الدين في التفسير وعلوم القرآن بتقدير عام ممتاز، ثم أوصى مجلس الكلية بتدريس هذه المادة العلمية لطلاب قسم التفسير ضمن خطة المنهج الدراسي للتفسير الموضوعي بعد أن أثنت عليها لجنة المناقشة وقالوا: إنَّ الرسالة وعن جدارة هي رسالة دكتوراة وليست رسالة ما جستير، مما دفع رئيس قسم التفسير إلى جعلها منهجاً يدرس لطلاب القسم وطبعت وقمت بتدريسها للطلاب في كلية أصول الدين بطنطا، فكان ذلك الحدث سبباً قوياً لي في أن أتأنى في اختيار موضوع رسالة العالمية (الدكتوراة) وأحببت أن أختار موضوعاً جديداً لم أُسبق إليه وأن أضيف إلى المكتبة التفسيرية شيئاً ذا قيمة ووزن علمي ويسر الله لي بعد أكثر من عام ونصف من البحث العثور على مخطوط نادر يظن أكثر الباحثين والكاتبين في علوم القرآن أنه مفقود، ألا وهو كتاب مواقع العلوم في مواقع النجوم للإمام عبد الرحمن جلال الدين البلقيني (ت:824ه)، وبمجرد عثوري على النسخة الوحيدة والفريدة آنذاك في دار الكتب المصرية، وافقت لجنة الدراسات العليا بالكلية بالإجماع على تحقيق هذا السفر النفيس وكان على رأس المتحمسين لذلك فضيلة عميد كلية القرآن الكريم للقراءات وعلومها ونائب رئيس جامعة الأزهر، والمشرف على الرسالة فيما بعد أ.د/ جودة المهدي، وكذلك أ.د/ شكري شفيق الأخضر رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بالكلية آنذاك رحمهما الله تعالى رحمة واسعة على الرغم من أنَّ ذلك يخالف الأعراف العلمية والقواعد التحقيقية للتراث، إذ لا يقبل تحقيق موضوع ما أو كتاب ما دون الرجوع إلى أكثر من نسخة للمخطوط، ولكن في حالة الضرورة كحالتنا هذه حفاظاً على هذا الكنز التراثي يجوز الاعتماد على النسخة اليتيمة، وتم ذلك بفضل الله وخرجت إلى النور في تحقيق دقيق حصلت به على درجة العالمية الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولى.