سؤال أثاره في نفسي احتفاء العالم أمس (20 نوفمبر) باليوم العالمي للطفل، بناء على توصية من الجمعية العامة للأمم المتحدة للعمل على الحد من انتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها الأطفال في جميع أنحاء العالم وللمساهمة في تحسين الظروف المعيشية لأطفال العالم ولا سيما في مناطق الحروب والفقر والمجاعات التي يلقون فيها حتفهم كل يوم. ويذكرنا هذا اليوم باعتماد الجمعية العمومية للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل في عام 1959م واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989م. وخلاصة هذه الحقوق كما جاءت في مواد الوثائق الدولية: للأطفال الحق في البقاء مع أُسرهم، أو مع أولئك الذين يتولون رعايتهم على نحو أفضل. للأطفال الحق في الحصول على غذاء كاف وماء نظيف. للأطفال الحق في التمتع بمستوى معيشة لائق. للأطفال الحق في الرعاية الصحية. للأطفال المعوقين الحق في رعاية وتدريب خاصَّين. للأطفال الحق في اللعب. للأطفال الحق في التعليم المجاني. للأطفال الحق في الحفاظ على سلامتهم وفي عدم إهمالهم. لا يجوز استخدام الأطفال كأيد عاملة رخيصة أو كجنود. ينبغي السماح للأطفال باستخدام لغتهم ومزاولة شعائرهم الدينية وثقافتهم. للأطفال الحق في التعبير عن آرائهم وفي عقد الاجتماعات للتعبير عن وجهات نظرهم. وهذا بيان جيد لحقوق الطفل تشمل جوانب حياته المختلفة، لكن ما هو واقع الالتزام بحقوق الطفل في عالمنا؟ إن هضم حقوق الطفل مأساة مؤلمة، وإذا كان الكثير منا حريصا على العناية بأطفاله غذاء وكساء وعلاجا وحماية، فهناك تفريط معيب للحقوق الروحية والنفسية لأطفالنا لكأننا معنيون بتربية أرانب وتسمينها، وليس بناء بشر ينعمون بالكرامة والاحترام. والإسلام قدم في شرائعه تدابير للحفاظ على حقوق الطفل وفطرته السوية جسدا وروحا، عقلا وعاطفة، فالطفل يحتاج لكي ينعم بشخصية سليمة إلى الحب والتفهم. وليس الطعام والشراب فحسب، ولذلك يجب أن تتم نشأته برعاية والديه وفي ظل مسؤوليتهما، في جو يسوده الحنان والأمن المعنوي والمادي. كفل الإسلام للطفل رعاية تنضح بالحنان والتقبل تعالج ما كان من قساوة الجاهلية، حيث قال صلى الله عليه وسلم للأقرع بن حابس لما أخبر أنه لا يُقَبِّل أولاده: (من لا يَرحم لا يُرحم) رواه الترمذي. بل تأمل هذا الموقف في تحسس حاجة الطفل إلى ممارسة حقه في اللعب يروي لنا عَبْداللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قال (خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّر لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا قَالَ أَبِي فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ قَالَ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ) رواه النسائي. والإسلام يربي الأطفال على أن يكون لهم حق إبداء الرأي لا سيما فيما يتعلق بحقوقه، روى مسلم والبخاري عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ فَقَالَ لِلْغُلامِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ فَقَالَ الْغُلامُ لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا, قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ). هذا شاهد من شواهد التربية النبوية التي تكشف عن الطريقة التي بُني بها الجيل الأول فالسُّنة في الشرب في المجالس أن يقدّم الشراب للشخص الجالس جهة اليمين لكن كان هناك اعتبار آخر وهو وجود كبار السن. وكان من الممكن أن يدفع الرسول صلى الله عليه وسلم الشراب إلى الكبار متجاوزاً بذلك الغلام الذي على يمينه. لكنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلّم القدوة. ولم تكن (لا) التي صدرت من الغلام خطأً في ميزان الإسلام، لأنّها كانت تعبيراً عن تمسك إنسان بحقه، لينال بركة الشرب بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك حكماً شرعياً في حفظ حق الطفل في إبداء رأيه. إنها فرصة ليراجع كل منا نفسه في مدى وفائه بحق أطفاله عليه، ونسائل أنفسنا من حين لآخر: هل نحترم حقوق أطفالنا؟