الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، والمحضن الأساس والرئيس للقيم والآداب والمبادئ، وتكوين شخصية الفرد، واحترام النظام الرسمي وغير الرسمي. وتنشئة الأسرة للفرد تنشئة سليمة ستعود بالنفع والخير للمجتمع، لذا فإن صلاح المجتمع مرهون بصلاح الأسرة، وإن فسدت لا سمح الله، سرى ذلك الفساد في جسد المجتمع. وتقع مسؤولية التنشئة ورعاية الأسرة على الوالدين، وعلى من يقوم مقامهما حال غيابهما، قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته..."، كما قال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيره لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، وأوصى بالنساء خيراً، وقال: "رفقاً بالقوارير"، والأطفال هم فلذات الأكباد ونبض الحياة، فمن واجب من تقع عليه المسؤولية في الأسرة العناية بهم وتوفير البيئة الآمنة لهم. يشكل ما سبق القاعدة السليمة لبناء أسرة متماسكة، تسودها الألفة والطمأنينة، والأمن النفسي، والأمان العاطفي، ونقيض ذلك ينتج عنه أسرة مضطربة غير آمنة، كل فرد فيها يخاف على نفسه ومستقبله، يسودها الكره، والتوجس خيفة من الآخر. لقد تفاجأت بتصريح الدكتورة مها المنيف، المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني بأن: "غالبية ضحايا العنف الأسري من السعوديين بنسبة وصلت 86%، وتمثل الرياض والمنطقة الشرقية أعلى المناطق في نسب التعنيف، حيث يصل تعنيف الوالدين إلى 72%، والإيذاء الجسدي 35%، والإهمال 46% مقارنة بالإيذاء الجنسي 13% والنفسي 6%. وتأتي حالات التعنيف والإيذاء موزعة بالتساوي بين الجنسين، مقابل تسجيل الإناث زيادة في حالات الإيذاء الجسدي والإهمال. ويمثل الأطفال الرضع أقل من سنة نسبة 20% من المجموع العام وهم من أخطر الفئات العمرية وأكثرهم تضرراً تعتبر الأسرة هي مصدر الأمن لأفرادها، وممارسة العنف تجعل الطفل أو الشاب المراهق يشعر بفقدان الأمن النفسي فيلجأ إلى جماعات الرفاق، فيقع في رفقاء سوء يوقعونه في براثن المخدرات، أو تتلقفه محاضن الشر والإرهاب، لتعده مشروع قنبلة موقوتة ضد أسرته، ومجتمعه، ووطنه، وقد تلجأ الفتاة أو المرأة إلى من يستغل حاجتها وضعفها، وافتقارها إلى المشاعر العاطفية في الأسرة، فيمنحها حباً وأمناً زائفاً. إن على الأسرة القيام بدورها التربوي والاجتماعي والتوعوي، والتعامل بالحب بين أفرادها، وللأسف يفتقد بعض الآباء في مجتمعنا اسلوب الملاطفة مع الأبناء بنين وبناتٍ، ومع الزوجة،، وكذلك بعض الأخوة، فلا تسمع إلا شتماً وسباً، وإذلالاً وإهانة، وضرباً وتقريعاً، بينما يحظى الأصدقاء، ورؤساء وزملاء العمل منهم بأرق عبارات الود والتقدير ! ويتخذ العنف الأسري عدة أشكال مثل العنف الجسدي، والعنف النفسي أو العاطفي، وأياً كان نوع الإيذاء فإنه يشكل أثراً نفسياً سلبياً سيئاً، مع حدوث تراكمات نفسية تؤثر في الفرد المعنّف عن طريق اللا وعي في سلوكياته وتعاملاته مع الآخرين. واستشعاراً من الدولة - رعاها الله - لحجم المشكلة فلقد صدر نظام الحماية من الإيذاء بالمرسوم الملكي رقم (م/52) بتاريخ 15/11/1434ه، للحد من حالات العنف الأسري، ويتضمن النظام عقوبة الحبس للمدانين بالإيذاء النفسي أو الجسدي والتي قد تصل لمدة عام ودفع غرامة تصل إلى 50 ألف ريال سعودي. اسأل الله تعالى العلي القدير أن يحفظ أسرنا ومجتمعنا ووطننا من كل سوء ومكروه، وأن يعين المعنيين بالشأن الاجتماعي والتربوي والأمني على تقديم التوعية والوقاية والعلاج للظواهر الاجتماعية السلبية، مع تقديرنا لجهود برنامج الأمان الأسري في يوم الأمان الأسري تحت شعار "دور الأسرة في نبذ العنف والإرهاب".