هناك من يثني على اتفاقية الشراكة للتجارة الحرة عبر الهادي، التي تضم 12 بلدا، على أنها انتصار لأمريكا وهزيمة للصين. التهاون الذي من هذا القبيل يدل على قصر النظر - كما أن الإشارة إلى أنه يجب منع الصين من الانضمام إلى الاتفاقية في المستقبل، الذي يبدو أنه ينتج عن هذه الطريقة في التفكير لا يدل على قصر النظر فقط، وإنما على العمى. إن إدخال الصين في الاتفاقية سوف يحتاج إلى وقت، ولن يكون سهلا، لكنه سيصب في مصلحة الجميع. ليس من السابق لأوانه أن يجري التخطيط منذ الآن لتحقيق هذا الهدف. كان الرئيس باراك أوباما مصيبا في أنه ترك الباب مفتوحا. صحيح أنه سوف يواجه صعوبة كبيرة في إقناع الكونجرس بالموضوع - وهذه المهمة لن تكون أسهل حتى لو كانت الصين أصلا طرفا في الاتفاقية. مع ذلك، اتفاقية الشراكة عبر الهادي بدون الصين هي عبارة عن تفويت فرصة هائلة. وفي حين أن هناك خلافا على الأرقام الدقيقة، إلا أن التقديرات في إحدى الدراسات المتينة تفيد بأن توسيع الاتفاقية من 12 عضوا إلى 17 عضوا - بإضافة الصين وإندونيسيا وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند - سوف تزيد 3 مرات من الفوائد العالمية للاتفاقية. وإن إدخال الصين، وهي أكبر أمة تجارية في العالم، من شأنه أن يعزز من وعد الاتفاقية لتكون نموذجا لاتفاقية عالمية أوسع حتى منها. رغم جميع التركيز على التجارة في التصنيع، إلا أن أكبر إمكانية لتحقيق المكاسب ربما تكمن في الخدمات. قطاع الخدمات في الصين هو واحد من أكثر القطاعات قيودا في العالم، وبالتالي فإن تخفيف هذه القيود سوف يفيد شركات التوريد الأمريكية بصورة مجزية. (وفقا لأحد التقديرات، سوف تستفيد هذه الشركات مبلغا آخر مقداره 218 مليار دولار بحلول عام 2025.) وفي المقابل سوف تحصل الصين على قدرة أفضل على الاستفادة من السوق الأمريكية. لكن الأمر الأهم هو أن تحرير تجارة الصين في الخدمات سوف يُعجِّل في إصلاح شركات تزويد الخدمات الصينية، التي تهمين عليها اليوم شركات مملوكة للدولة وتفتقر إلى الكفاءة، وغيورة على التمسك بامتيازاتها. هذا هو بالضبط السبب الذي يجعل كثيرا من دعاة الإصلاح في الصين يريدون أن ينضم بلدهم إلى الاتفاقية. في الفترة الأخيرة أصيبت جهود الإصلاح بالوهن، حيث إن التقدم الجيد تحقق فقط في أقل من ربع المجالات ال 113 التي حددتها بكين. تجارب التسوير، مثل منطقة التجارة الحرة في شنغهاي، حققت الإصلاحات المرجوة. وسوف تعمل متطلبات اتفاقية الشراكة على تشجيع الحكومة على تسريع وتيرة الإصلاحات. النتيجة سوف تكون اقتصادا صينيا أكثر إنتاجية واستقرارا - وهو أمر مفيد للجميع. تكتشف بكين الآن الحدود التي تترتب على تنفيذ الأمور وحدها. جهودها في إنشاء اتفاقية إقليمية للتجارة الحرة بدون الولاياتالمتحدة لا تبشر بخير كبير. كما أن بنك البنية التحتية الجديد لن يفعل الكثير لتشجيع الإصلاحات داخل الصين. وبرنامج الصين القائم على "حزام واحد وطريق واحد"، من أجل بناء البنية التحتية التي تربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا، لا ينطوي على إمكانيات تفوق الاستفادة من الأسواق الأمريكية واليابانية. اتفاقية الشراكة التي تعزز قضية الإصلاح الاقتصادي في الصين وفي الوقت نفسه تربط البلد بنظام عالمي متعدد الأطراف ويقوم على القواعد، من شأنها أن تكون مفيدة للغاية. لا شك أن هذا سيكون تحديا لزعماء الصين. ويجدر بهم أن يبذلوا كل جهود التشجيع التي تؤدي إلى تحقيق ذلك الهدف.