يبدو أن علماء الاقتصاد يدركون تماما أمرا يعتبره الناس بديهيا منذ زمن طويل، وهو أن المستثمرين من ذوي الثقة المفرطة يمكن أن يحركوا أسعار كل شيء من الزنبق الهولندي إلى الأسهم الصينية إلى مستويات تزيد كثيرا على قيمتها الحقيقية، ما يؤدي إلى حالات الانهيار التي تستطيع أن تُحْدِث دمارا اقتصاديا دائما. لكن الجزء الصعب في الموضوع هو أن نضع تصورا لأي الفقاعات ذات الخطر الأكبر، وتصورا حول ما ينبغي فعله بشأنها. تشير دراسات جديدة إلى أن أخطر العناصر في المعادلة يمكن أن يكون الديون - وهو أمر موجود بكثرة وافرة في الوقت الحاضر. يهتم الاقتصاديون منذ فترة طويلة بالفقاعات، حتى وإن كان علم الاقتصاد ككل قد تجاهلها عند وضع النظريات حول كيفية عمل الاقتصاد. في التسعينيات، أنشأ بن برنانكي، قبل أن يصبح رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، ما يشبه مختبرا للفقاعات في جامعة برنستون، حيث كان يستكشف النماذج الرياضية التي استلهمها من الدراسات الرائدة التي قام بها هايمن مينسكي. في السنة الماضية، جادل الاقتصاديان ستيفن جيرشتاد وفيرنون سميث، في كتاب مهم، بأن التاريخ الاقتصادي، إلى جانب أدلة مأخوذة من عقدين من التجارب المخبرية، يشير إلى أن المضاربة في أسواق العقارات، التي تضخمت بفعل تمويل القروض العقارية، هي عامل أساسي مستمر في تحريك الدورات الاقتصادية. الآن، بعد أن أصبح لدينا المزيد من البيانات، بدأ الباحثون في الاعتقاد في أن بإمكانهم تحديد أنواع مختلفة من الفقاعات، وأن بعضها يمكن أن يكون أكثر إيذاء بكثير من أنواع أخرى. في بحث جديد من تأليف علماء الاقتصاد أوسكار يوردا وموريتز شولاريك وآلان تايلور، درس الباحثون أسواق الإسكان والأسهم في 17 بلدا على مدى السنوات ال 140 السابقة. ووجدوا أن أسوأ الفقاعات - أي التي أحدثت أكبر الأضرار الاقتصادية - يغلب عليها أن تشتمل ليس فقط على عنصر المضاربة، وإنما أيضا على القروض السهلة والرفع المالي العالي. هذه الفكرة ليست جديدة. في كتاب صدر في عام 2009، بعنوان «الأمر مختلف هذه المرة»، من تأليف كارمن راينهارت وكينيث روجوف، بحث المؤلفان في حوالي 800 سنة من الأزمات المالية، ووجدا أن فترات الركود الاقتصادي في أعقاب فقاعات الائتمان كانت في العادة أسوأ من غيرها ودامت أكثر من غيرها. وهناك مؤلفون آخرون، من إرفنج فيشر إلى هايمن مينسكي، إلى شخصيات في الوقت الحاضر مثل راي داليو، توصلوا إلى نتائج مماثلة من تاريخ الكوارث المالية. وكان جون جياناكوبولوس، الأستاذ في جامعة ييل، يحذر منذ فترة طويلة من مخاطر ما يدعوه «دورة الرفع المالي». يطرح يوردا وزملاؤه هذه الفكرة من خلال إلقاء نظر مفصلة على الأحداث في السنوات من عام 1870. يغطي بحثهم معظم البلدان الحديثة المتقدمة خلال عصر يتسم بالرأسمالية المليئة بالتمويل، ويستخدم سلاسل زمنية طويلة، وبيانات من بلدان كثيرة، من أجل الحصول على بيانات إحصائية مفيدة بخصوص الأحداث النادرة. وقد تبين لهم أن الاقتصادات تستطيع بسهولة اجتياز فصول مثل انهيار فقاعة الدوت كوم (انهيار شركات الإنترنت في مطلع هذا القرن)، حين عملت المضاربات على رفع أسعار أسهم شركات التكنولوجيا العالية إلى مستوى كان لا بد لها أن تنهار بعده. لكن حين يتعلق الأمر بالاندفاع في القروض السهلة، فإن هذه مسألة مختلفة تماما، لأن الائتمان السهل يشجع الناس على استخدام الأموال المقترضة - التي تعرف باسم الرفع المالي - من أجل شراء الأصول. يجادل المؤلفون بأن الفقاعات التي من هذا القبيل تنشأ من عملية تغذية تضخيمية تعمل على نمو الائتمان، ورفع أسعار الأصول، وزيادة الرفع المالي. وحين تنفجر هذه الفقاعات، تكون العواقب أسوأ، لأنه لا بد للشركات والأفراد إما إعادة الهيكلة، أو تسديد جميع الديون التي تراكمت عليهم، وهو ما يؤدي إلى انتشار الخسائر، ما يُبقي أموالا أقل بين أيدي المستهلكين للإنفاق والاستثمار. الأبحاث التي من هذا القبيل تُظهِر اتجاها متزايدا في علم الاقتصاد، يفضي إلى التخلي عن النظريات الخالصة لصالح الدراسات التي تقوم على البيانات الفعلية. عدد قليل جدا من الاقتصاديين اليوم يمكن أن ينكر وجود الفقاعات لمجرد أن هذه الظاهرة لا يوجد لها مكان في نماذجهم النظرية. الآن علم الاقتصاد يجد في نفسه الشجاعة للاعتراف بأمور كان ينكرها بكل قوة لعدة عقود. خذ مثلا الهجوم المتواصل الذي يشنه بول رومر على «الطابع الرياضي» للنظرية الاقتصادية، أو الاعتراف المتزايد بأن علماء الاقتصاد بحاجة إلى صورة تقوم أكثر بكثير من قبل على الدراسات التجريبية التي تبين كيف يفكر الناس ويتصرفون، من أجل أن تحل محل افتراض العقلانية الكاملة وبُعد النظر، الذي هيمن طويلا على النماذج الرياضية لعلماء الاقتصاد. هذا يعتبر تقدما، حتى وإن جاء مع بعض الاعتراضات والسلبيات، التي تتحسر على ضياع الأوهام الجميلة والمريحة، خصوصا صورة الأسواق التي تصورها على أنها قادرة على تنظيم نفسها بمنتهى الإتقان والبراعة. علم الاقتصاد يصبح أكثر تعقيدا، وأقل ثقة بنفسه. بعمله هذا، سوف يصبح أيضا مفيدا أكثر من قبل.