فقدت جوجل الصبر مع نهجها اللين لبيروقراطية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، مظهرة بذلك روح قتال جديدة في ردها على اتهامات مكافحة الاحتكار ضد الشركة. هذا هو المسار الذي لم يقُد مايكروسوفت إلى أي نتيجة وكلفها أكثر من مليار دولار على شكل غرامات. ملخص رد جوجل على الاتهام الموجه من الاتحاد الأوروبي ظهر في مدونة نشرها محامي الشركة العام، كينت ووكر. هذا الملخص يدافع عن طريقة عرض جوجل عرض بشكل بارز للنتائج من خدمة مقارنة التسوق التابعة لها، ولكن ليس من منافسيها - وهي الممارسة التي تقع في قلب قضية المفوضية الأوروبية، والتي أثارت اعتراضها الأساسي على نهج جوجل: نحن لا نعتقد أن هذا الشكل يعتبر مناهضا للمنافسة. على العكس من ذلك، عرض الإعلانات استنادا إلى بيانات مهيكلة يقدمها التجار يحسن بشكل واضح جودة الإعلانات ويسهل على المستهلكين إيجاد ما يبحثون عنه. كشف وكر أيضا النقاب عن أن جوجل تعاقدت مع بو فستردورف، الرئيس السابق للمحكمة العامة، وهي جزء من السلطة القضائية للاتحاد الأوروبي، لكتابة رد منفصل. هذا الرد الآخر يجادل بأنه ليس لدى جوجل أي واجب لتوريد منافسيها، كما لو أنها تسيطر على مدخل مهم وغير متوفر في أي مكان آخر. وقال فستردورف إن هذا الوضع لا ينطبق على الإنترنت. قبل الوصول إلى هذه المرحلة، كانت جوجل تحاول اتباع نهج أكثر مرونة، وذلك في سعي منها لإرضاء المفوض الأوروبي المسؤول عن مكافحة الاحتكار وتجنب الغرامة الكبيرة التي سوف تأتي في حال كان القرار الصادر هو ضد جوجل. في فبراير 2014، على سبيل المثال، أصدرت المفوضية بيانا صحفيا تقول فيه إن جوجل، شركة البحث الأمريكية العملاقة، كانت قد قدمت اقتراحا وافقت من خلاله على عرض خدمات ثلاثة منافسين، عند الترويج لأدوات البحث المتخصصة الخاصة بها. وكان هذا النهج جزءا من هجوم ساحر. في العام الماضي، ضاعفت جوجل ميزانيتها المخصصة لجماعات الضغط على الاتحاد الأوروبي إلى 3.5 مليون يورو (3.9 مليون دولار)، وفقا لموقع Integritywatch.eu التابع لمجموعة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد، التي تجمع المعلومات عن الإفصاحات الرسمية للاتحاد الأوروبي. ذلك ليس أقل بكثير من ما ينفقه دويتشه بنك أو شركة إكسون موبيل. ووفقا للبيانات في نفس الموقع، فقد عقدت جوجل المزيد من الاجتماعات مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي وبشكل أكثر من أي شركة أخرى منذ نوفمبر الماضي - بما مجموعه 32 اجتماعا، رغم أن واحدا فقط من هذه الاجتماعات كانت له علاقة رسمية مع قضية مكافحة الاحتكار، التي ظهرت ملامحها الأولى منذ عام 2010. وقالت الشركة عن هذه الجهود «نريد أن نقوم بعمل أفضل من حيث الاستماع إلى مخاوف أوروبا وشرح كيفية نجاح عملنا مع أوروبا». لكن بخصوص قضية مقارنة التسوق (أي طريقة عرض أسماء الشركات المنافسة)، بقي منافسو جوجل والمفوضية الأوروبية غير سعيدين بذلك. لذلك توقفت الشركة عن التبسم وإعطاء اللفتات التي تسير على المسايرة، وقررت اتخاذ موقف متشدد: لم تعد تقترح أي حلول وسط، بل تقول بجرأة إن الطريقة التي تعرض فيها العروض من مختلف التجار على الإنترنت تعتبر في حدود القانون وفي صالح المستخدمين. كمستهلك، أنا أتفق مع هذا الرأي: لقد سبق أن كتبت مقالا قلتُ فيه إن جوجل تسوق الأعمال على نحو أفضل بالنسبة لي من الخدمات المنافسة. أنا لا أريد حقا من جوجل أن تضطر إلى تعزيز عروض رديئة. ومع ذلك، أظن أيضا أن تحدي جوجل لا جدوى منه. على حد تعبير معارضي جوجل، أعضاء من مجموعة تسمى فيرسيرتش (البحث العادل) في بيان: «لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل». لأن فيرسيرتش تتضمن مايكروسوفت، البعض في المجموعة لم يروا فقط الفيلم ولكن أيضا لعبوا دور البطولة فيه: قبل 15 عاما، حاولت مايكروسوفت نفس الخطوات مع سلطات مكافحة الاحتكار في أوروبا. وفي مواجهة للمسائل المتعلقة بمعاملتها للمنافسين ومستخدمي البرامج غير التابعة ل مايكروسوفت للتفاعل مع ويندوز، حاولت الشركة أولا الامتثال بطرق غير مؤلمة. ثم شككت بتهم عدم الامتثال، وحاولت أن تشرح للبيرقراطيين في بروكسل أنهم لا يفهمون طبيعة التكنولوجيا الجديدة. قضية مكافحة الاحتكار المذكورة ضد مايكروسوفت، التي بدأت مع شكوى من صن مايكروسيستمز، استمرت لأكثر من 12 عاما. كما فتحت أيضا الطريق إلى قضايا أخرى، وانتهت مع غرامة بلغت 860 مليون يورو. وفي عام 2013، صدر أمر بحق مايكروسوفت لدفع مبلغ إضافي يبلغ 561 مليون يورو لعدم توفيرها خيار المتصفحات لمستخدمي ويندوز. ومن المثير للاهتمام، أوراكل، المالك الحالي لصن، هي أيضا عضو في فيرسيرتش. شركات التكنولوجيا القديمة تعرف أنه من غير المجدي القول للاتحاد الأوروبي - و حتما لمثل هذه الاستراتيجية، المحاكم الأوروبية - أنهم لا يفهمون ما يفعلونه. قد يكون البيرقراطيون والقضاة غير قادرين على إنتاج جوجل أخرى، ولكنهم يتقنون الاستماع إلى الخبراء وهم أبعد ما يكونون عن كونهم من المغفلين. وغالبا ما يكرهون ما يعتبرونه الغطرسة الأمريكية. يمكن لمايكروسوفت أن تخبر جوجل بالضبط ما سيحدث بعد ذلك. في الواقع، محامو جوجل يدرك أنه سيكون هناك تحقيقات أخرى في مكافحة الاحتكار. أحد هذه التحقيقات يتعلق بنظام تشغيل أندرويد وروابطه مع خدمات جوجل، وهو الآن قيد الإعداد، مع أنه لم يتم حتى الآن تقديم اتهامات رسمية. وهناك تحقيق آخر ربما يصيب جوجل في المكان الذي يؤلمها، لأنه يتحدى هيمنة الشركة على إعلانات الإنترنت. سوف تحارب جوجل في المحاكم، ومن المحتمل أن تخسر، لأن أوروبا لا تحب الشركات الأمريكية الكبيرة أن تهيمن على أسواقها. أنه لأمر مثير للإعجاب أن جوجل تريد الآن أن تحارب من أجل مبادئها وضد إضعاف أقوى منتجاتها. لكني أشعر بالانزعاج حين أفكر بالوقت والأموال التي سوف تضيع هدرا في هذا المعركة التي لا أمل فيها.