مشكلة اللاجئين العرب وبالخصوص السوريون احتلت هذا الأسبوع جزءا كبيرا من حيز الأخبار العالمية والاوروبية، التي اصبحت تبثُ تنقلات واخبار اللاجئين بصورة مستمرة، وهذا ليس بمستغرب؛ لأن اللاجئين الآن هم فوق اراضيهم، ولأن الهجرة تستهدف الوصول الى دولهم، ولو سمحتم لي بالعودة للماضي القريب وأقول: من منا يتذكر عندما أعلنت ليبيا نيتها في تخفيض عدد الأجانب فيها، وأعلن الرئيس القذافي في سبتمبر 1995 أن جميع الفلسطينيين سيجبرون على مغادرة ليبيا، وقد وُضع عدة مئات منهم على سفن للتوجه إلى سوريا ولبنان، وحاولت السلطات الليبية الحد من عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في ليبيا عن طريق إصدار قوانين جديدة بشأن منحهم تأشيرات العودة، واضطر العديد من الفلسطينيين لمغادرة ليبيا عن طريق البر إلى الأردن قاطعين مسافة أكثر من 2000 كيلو متر، وقد حوصر مئات من الفلسطينيين في الصحراء الليبية على الحدود المصرية، ولقد أقام عدد كبير من الفلسطينيين معظمهم من النساء والأطفال في مخيمات بدائية على الحدود المصرية، حيث نقلت لنا وسائل الإعلام الأوضاع المزرية في تلك المخيمات في الصحراء الليبية. فإذا كان هذا ما فعلته دولة عربية مسلمة باللاجئين الفلسطينيين، فهل نلوم إذن من نسميهم "بدول الغرب الكافر" اذا هم أساءوا معاملة اللاجئين العرب؟!! العرب ليسوا سواء في معاملتهم للاجئين وكذلك دول الغرب ليست سواء في معاملتهم للاجئين، وأضرب مثالا انسانيا للوجه الحسن في معاملة اللاجئين وهي مملكتنا السعودية - مملكة الإنسانية - ومافعلته حكومتنا للاجئين العراقيين حيث اقامت لهم مدنا بالكامل وزودتها بكل ما تحتاجه الحياة الكريمة من مستشفيات ومدارس واسواق كانت محل اعجاب وتقدير منظمات رعاية اللاجئين ومنظمات حقوق الإنسان. كذلك أوروبا ليست سواء، فعلى سبيل المثال بريطانيا لم تستقبل سوى 5 الآف من اللاجئين، بينما فتحت المانيا ابوابها لأكثر من 750 الف لاجئ، وهناك القليل من الدول الأوروبية التي أظهرت الوجه الحسن للاجئين، بينما الأكثرية أظهرت الوجه القبيح للاجئين وداست على المبادئ التي تتشدق بها من حقوق للإنسان حتى ابسط انواع المعونة لم تقدمها للأطفال اللاجئين. لقد ضاقت الأرض بما رحبت على اخواننا السوريين الذين قرروا النجاة بأنفسهم من جحيم البراميل المتفجرة وفضلوا اللجوء الى الغرب لما سمعوه من اقارب سبقوهم ان بعض دولهم تكرم اللاجئين وتعاملهم بإنسانية منقطعة النظير. هذه المره قرر اللاجئون عدم استخدام مراكب الموت للوصول للجنوب الأوروبي، بل قرروا الهجرة بالمئات براً الى تركيا ثم غرباً الى بلغاريا ثم الى صربيا ثم الى المجر، حيث اضطروا الى المكوث لساعات طويلة في محطة قطارات بودابست المركزية الى ان تم السماح للقطارات بالتوجه الى النمسا في طريقهم الى المانيا، وهناك مجموعة اخرى قررت ان تتجه من تركيا شرقاً الى روسيا وتعبر الاراضي الروسية من الجنوب الى اقصى الشمال ويجازفون بعبور القطب المتجمد الشمالي بالسفن وصولا إلى النرويج من روسيا، ولقد عَبَرَ عشرات اللاجئين الحدود بين روسياوالنرويج للوصول إلى أوروبا في منطقة تبعد أكثر من أربعة آلاف كيلو متر عن دمشق. ومن المثير للاهتمام ان بعض مواقع التواصل الاجتماعي اقترحت طرقا جديدة للوصول من روسيا الى النرويج، منها الطيران بمناطيد الهواء الساخن لتخطي نقطة الحدود الروسية النرويجية، ويأمل اللاجئون السوريون في الوصول إلى الدول الإسكندنافية التي تمنح وضعا أفضل للهاربين من الحروب. وفي آيسلندا مثلاً، لقيت نداءات استضافة لاجئين سوريين دعم أكثر من 10 آلاف مواطن، بعد طرح المبادرة، بل اقترح عدد كبير من المواطنين الايسلنديين استقبال اللاجئين في منازلهم وأيضا تقديم طعام وملابس والمساعدة على الاندماج في المجتمع الآيسلندي، الذي يبلغ عدد سكانه ما يقارب 330 ألف نسمة، ولقد استقبلت آيسلندا في العام الماضي 1117 مهاجراً وفقا للإحصائيات الحكومية، ويقول احد الناشطين الآيسلنديين في تعليق له: "بعد أن تخلصنا من الجيش في أيسلندا يوجد كثير من المساكن الخالية في قاعدة الجيش القديمة، لذا فإنه من غير الأخلاقي تركها خالية بينما يموت الناس". في الختام اقول لدول الغرب المتبرمة من تدفق اللاجئين السوريين الى بلادهم: ان هذا هو نتيجة سياساتكم الفاشلة تجاه سوريا، وعجزكم عن الوقوف مع الشعب السوري في وجه طاغية الشام الذي يقتل شعبه ليل نهار، وعلى مرأى من العالم الذي أجمع على ان يترك هذا الشعب يواجه مصيره وهو اعزل، بينما يُمد الطاغية بأسلحة يقتل بها شعبه ويستخدم الأسلحة المحرمة دوليا ولا أحد يبالي.