تشهد كتب التاريخ أن اليَبوسيين، وهم بطنٌ من بطون العرب، نزحوا إلى فلسطين مع القبائل الكنعانية وبَنوا مدينة القدس، ولذلك سمِّيَتْ يَبُوس، وتسمَّى أرض كنعان، فبنَوْا القدسَ بجوار المسجد الأقصى الذي بناه سيدُنا آدم عليه السلام، وجدَّد بناءه سيدُنا إبراهيم عليه السلام، كلُّ هذا حصل قبل أن يُولد سيِّدنا يعقوب عليه السلام، فاليهود هاجروا من مصر إلى الأرض المقدَّسة «فلسطين» بأَخَرةٍ من الزمن، بأمرٍ من نبيِّ الله موسى عليه السلام، حيث قال لهم: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ) غير أنهم أَبَوا دخولَها، زعماً منهم أنهم يخافون أهلَها الأصليين من الكنعانيين (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا) فعاقبهم الله فحرَّمها عليهم أربعين سنة، فلم يدخلوها إلا بعد وفاة نبيِّ الله موسى عليه السلام. ولم تكن لليهود دولةٌ في القدس إلا بعد أن فتحها نبيُّ الله داود وسليمان عليهما السلام واستمرَّ حكمُها سبعين عاما فقط، وذلك من سنة 1000 قبل الميلاد حتى سنة 928 قبل الميلاد، فذلك أنه بعد أكثر من ألف عام من تجديد نبيِّ الله إبراهيم عليه السلام بناءَ المسجد على قواعد أبينا آدم، جَدَّد نبيُّ الله سليمان عليه السلام، بناء المسجد على قواعد إبراهيم، وبقي البناء قائماً إلى أن خرَّبه بختَنَصَّر، وجَعَلَه موضعاً خاليا لا يصلَّى فيه، مِن القرن الرابع الميلادي إلى أنْ جدَّد بناءَه سيدُنا عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، وكان اليهودُ يومها غير مسموحٍ لهم بدخول فلسطين، مَنَعَهم النصارى لِمَا رأَوْا مِن كيد اليهود وغدرهم، فكان أوَّلُ دخول اليهود للقدس في عهد عبدالملك بن مروان، جلبهم لبعض الأعمال. وحين جاءَ المعزُّ الفاطميُّ، قرَّب اليهود وكثَّرهم في فلسطين، فمكثوا بها رَدْحاً من الزمن، حتى إذا دخلَ الصليبيون القدسَ أساؤوا لليهود، فأحرقوا عدداً منهم وطردوا الباقي، فلم يرجع اليهودُ للقدس إلا بعد أَنْ رأَوا الأمان بتحرير صلاح الدين رحمه الله لها، فأقام العدل بين الناس، ولم يُؤْذِ أحدا من اليهود ولا النصارى، فأحسن معاملة الجميع، فكان شيوعُ العدل والرحمة في القدس سببا لعودة اليهود للإقامة فيها، ثم ازداد عددهم حين طُرِدُوا من الأندلس، ذلك أنهم لم يَجدوا الأمان إلا في ديار المسلمين. واليوم نرى من اليهود جزاء سنمَّار، فهاهم يزعمون أن فلسطين بلادُهم، بل ويزعم بعض المعاصرين منهم أن هيكلهم المزعوم تحت المسجد الأقصى! أما المتقدِّمون منهم، فلم يتَّفقوا على صحَّة وجود الهيكل، فضلاً عن اختلافهم في مكانه، فهم اليوم يكيدون المكائد لهدم المسجد الأقصى، فبدؤوا بالاستيلاء على حيِّ المغاربة، وأقدموا سنة 1967م على هدم هذا الحي بكامله أمام سمع العالم وبصره، وحوَّلوه إلى ساحةٍ واسعة، وسمَّوها ساحة المبكى، إشارة إلى حائط البراق الذي سمَّوه حائط المبكى، والتاريخ يشهد أن هذا الحائط ليس له ذِكرٌ في كتب اليهود، ولذلك نصَّت لجنة تقصى الحقائق التي أوفدتها عصبة الأمم سنة 1929م على أنَّ حق ملكية حائط البراق وما جاوره من الأماكن، للمسلمين خاصة، فكان نصُّ التقرير الدولي المحفوظ في مجلس الأمن، للجنة تحقيقٍ بريطانية -والْتَر شو- المنعقدة سنة1930م بشأن ملكية حائط البراق كما يلي: (للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف، التي هي من أملاك الوقف الإسلامي، وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة، لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير).. ورغم هذا فهم يتطلعون اليوم لإزالة الطريق إلى باب المغاربة لإغلاقه، على أنْ يُتبعوا ذلك بفتح بابٍ يصلُ إلى مصلَّى البراق، وينوون بعد ذلك هدم المسجد الأقصى، لإنشاء أكبر كنيسٍ يهوديٍّ في العالم، بدَعوى هيكلٍ مزعوم.