بالفرح نشدو، وللعلم نغدو عمرنا كله، فإن من ظن بأنه اكتفى من العلم، في شتى المناحي -حتى العلم البسيط والسهل جدا- ورأى أن عليه أن يتوقف عن تعاطي جرعاته فليتأكد أنه قد ازداد جهلا على جهل، فالعلم نهر الحياة المغذي بالخير لمجتمعاتها، ولا يمكن لعاقل أن يرتوي منه ابدا ولا أن يحط الرحال عن طلبه، فهو الرافد الأساسي للعقل. الأحد 8/11/1436ه بدأ العام الدراسي الجديد في المملكة العربية السعودية، فكل عام والمملكة العربية السعودية بخير وعافية وأمن وأمان، وجاءت الدراسة بعد عطلة جميلة ورائعة على مدى يناهز الثلاثة الأشهر، والحمدلله. بدأت بالخير والنجاح والفلاح والأفراح، ثم تلاها شهر المغفرة والعفو بما فيه من صيام وقيام، وصدقة وتراحم، وبما فيه من تقرب لله تبارك وتعالى وصلة للأرحام والأحبة وطلبا لليلة هي خير من ألف شهر، فإن صلة الأرحام وحبهم رحمة للإنسان وسبب لطول العمر، متى يسر الله له ذلك ونفعه بعلمه. غير أن البعض هداهم الله، وهم أقلية في هذا الأمر والحمدلله، لا يحبذون الدراسة ولا العمل أيضا، ويتحينون الفرص للانفلات منهما في اقل فرصة مواتية، في حين أنهما الخير كله. وتجد أنهم يريدون عيش الحياة بلا تحمل أدنى مسؤولية، إلا ما تشاركهم فيه بقية الكائنات والمخلوقات غير العاقلة. فالدراسة تجلب الخير له ولمن حوله ممن يعول وإن كانت نفسه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (مر على النبي رجل فرأى أصحاب رسول الله من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله: إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة، فهو في سبيل الشيطان)، ولا شك أن كراهية الدراسة والعمل هي بوحي من الأهل والإعلام بأشكاله المتعددة والتي تبث في كل اتجاه الإرجاف والخوف من المدرسة، وكأنها غول مفترس ينتظر الصغار بكل قسوة ومواجع. وتعزز الطرائف و"النكت" عبر المرئيات من الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي الكراهية للمدرسة وللعمل، وتشجع على أن يغدو الإنسان "هملا" بلا راع أو رعية هو مسؤول عنها، فيعيش ولا بيعة في عنقه لمولى ولا ولي بل يبقى بشكل أناني متطرف يسعى ليوبق نفسه، من غير مهنة او علم، او تأهيل لشيء ما، يشعره ويعزز لديه قيمة نفسه، وأهميتها لديه ككيان له قيمته. الكراهية للدراسة وللعمل سببها في كثير من الحالات الظلم الذي يقع خلالهما على الفرد كبيرا أم صغيرا كان، وهو ما ينبت شجرة الحسد والحقد للمجتمع ككل وبكل ما فيه، وهذه الشجرة المتفرعة هي التي تشجع على تعاطي الإرهاب والسلوكيات الخاطئة بشتى أشكالها وبكافة ألوانها وأنواعها. فلنكن حذرين جدا كل حسب وضعه ومكانه وعمله من دس السم في العسل وبذر الشر والكراهية في النفوس وقد تكون من غير قصد، فلا يحصد البذر حين أوان حصاده غير من زرعه، فاحرصوا على بذر كل ما هو نافع واجعلوا من الدراسة والعمل لكم ولأطفالكم متعة لا تضاهيها متعة أخرى في الحياة لتؤتي أكلها الطيب كل حين بإذن ربها. وإلى لقاء آخر زاخر بالحب والعطاء.