لو لم أكن طبيباً لكنت سياسياً من الدرجة الأولى بالرغم من إيماني بالمقولة التي تقول إن الثالوث المحرم هو «الدين والجنس والسياسة» إلا ان السياسة وتاريخ وعلاقات الشعوب قد استهوتني منذ الصغر واستمرت معي حتى في دراستي العليا للطب في بريطانيا فلطالما استمتعت بمتابعة جلسات البرلمان البريطاني عندما سمحوا بالنقل التلفزيوني لجلساته، وقتها كانت مارغريت تاتشر تتألق وتنتشي وتتفنن في ردودها على خصومها السياسيين وعلى رأسهم زعيم حزب العمال نيل كينوك في ذلك الوقت، ولطالما تلذذت بقراءة العديد من المقالات السياسية التي تنشر في الصحف البريطانية ومازلت. اكتفي بهذه المقدمة التي قد تشفع لي بالحديث في السياسة واستكمل ما بدأته عن جمهورية ايران المسلمة ولا أقبل بأن اقول كما يقول بعضهم «ايران المجوسية» بل أقول إيران المسلمة لكن ليتها تتصف بصفات المسلم الذي يكرم جاره ويوقره، فإيران لم تفتأ تستفزنا وتستفز جيرانها العرب منذ أن أصبحت إسلامية ويا للأسف!! أما على المستوى الشخصي فأنا معجب بل أكاد اموت من الغيرة من هذا الشعب الإيراني الذي استطاع أن يعتمد على نفسه ويخوض حرب استنزاف لمدة ثمانية أعوام ويصمد في وجه مقاطعة اقتصادية جاوزت الخمسة والثلاثين عاماً !! فهل نصمد نحن لو فرض علينا حظر اقتصادي لمدة عام واحد فقط؟؟ لقد جاوز عدد سكان وطننا الغالي الثلاثين مليون نسمة وسنتجاوز الاربعين مليون نسمة في غضون سنين عديدة فهل نستطيع توفير الماء لو تم حظر تصدير قطع الغيار والكيماويات على محطات تحلية المياة ؟ هل تستطيع محطات توليد الكهرباء أن تستمر في تلبية احتياج المواطنين أم انها ستتعطل أيضاً بسبب نقص قطع الغيار؟ هل نستطيع توفير الغذاء ونحن نستورد القمح والأرز بالكامل من الخارج وهل لدينا الدواء والملبس الذي نحتاج وغيرها من الضروريات وليس الكماليات؟ هذه أسئلة مهمة وحساسة يجب ألا نمر عليها مرور الكرام، بل اني ادعو اهل الحل والعقد في بلادنا لان يضعوا الخطط البديلة في حال تعرضت بلادنا الى سوء جراء كيد الحاسدين. لكن قبل ان تغتر ايران -ومن يسبح في فلكها- بما قلت أحب ان أذكرهم بوزير خارجيتنا السابق صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل عليه شآبيب الرحمة والمغفرة عندما قال «نحن لسنا دعاة حرب لكن إذا قرعت الحرب طبولها فنحن جاهزون لها»، وهذا هو ما يقوله كل فرد يعيش على ثرى هذه الأرض الطاهرة. نعم نحن لا نريد الحرب ونريد أن نعيش في سلام في بلادنا وفي اخاء واحترام متبادل مع جيراننا ونحن لا نتدخل في شئونهم ولا نريدهم أن يتدخلوا في شئوننا. لقد عانت منطقتنا من ويلات الحروب بشكل مباشر أو غير مباشر وكانت هذه الحروب عائقاً لقطار التنمية في جميع دول المنطقة بلا استثناء ولم يستفد من خلافاتنا إلا العدو الصهيوني الذي يجثم على مقدساتنا ويقتل أبناء المسلمين ويستحيي نساءهم، فلماذا لا تتركنا جارتنا المسلمة ايران في حالنا وهي التي عانت من الحروب والحصار الاقتصادي طيلة العقود الماضية؟؟ لقد علمنا التاريخ ألا نثق بإيران فلطالما تشدقت بعداوتها للشيطان الأكبر «امريكا» وهي في الواقع كانت تتعامل معها ومن لا يصدق فليقرأ وثائق ايران كونترا والتي لم تعد الآن سرية وليت الأمر وقف على امريكا بل تعداها الى علاقات ومعاملات تجارية مع العدو الصهيوني كشفتها لنا هذه الوثائق. نعم لقد صبرنا الكثير على هذه الجارة التي ارسلت لنا في يوم من الأيام حجاجاً لبيت الله الحرام يحملون المتفجرات في حقائبهم وقامت بتعكير صفو الحج عدة مرات ومع كل هذا فإننا ندعو الله ألا نصل الى مرحلة الغضب وان يلهمنا رب العزة والجلال ضبط النفس. اني أتساءل: أين اصوات العقلاء والمعتدلين في ايران؟ وأين اصوات محبي السلام واصوات من ذاق ويلات الحروب؟ لماذا لا نسمع لهم صوتاً داخل ايران أم ان نظام القمع الدموي قد غيبهم في غياهب السجون؟؟ ان على أصدقائنا من دول الغرب الذين ابرموا الاتفاق النووي مع ايران ان يتفهموا تخوفنا ليس لأن ايران دولة «غير مسئولة» فهم يعلمون ذلك لكن لأن هذا الاتفاق سوف يجعل ايران دولة متغطرسة على جيرانها وستتوسع في مخططات «الحرب بالوكالة» التي أشعلتها في أماكن متعددة من العالم العربي مثيرة الشقاق بين أبناء الوطن الواحد وان ايران لن تتوانى في اشعال شرارة الحرب الطائفية في منطقة الخليج لكن الله ادعو ان يقف أبناء هذا الوطن بكل طوائفه صفاً واحداً في وجه كل معتدٍ.