هذاالهاشتاق كان له حضور لافت في الأيام الماضية وبغض النظر عن مدى دقة هذا الوصف الهاشتاقي من عدمه، وبغض النظر عن هذا السلوك التمثيلي ل»ناصر القصبي»وهل هو يعتبر سخرية بالدين أم هو سخرية برجال الدين، بصرف النظر عن كل هذا إلا أنه من المؤكد أن القصبي وظف الدراما التي يفترض أن تكون أداة نقدية تُسلط لكشف العيوب الثقافية وظفها بطريقة مستفزة وبإيحاءات ماكرة أفضت ك«فعل» إلى إيقاد» فتنة التكفير» التي تبناها أحد خطباء الجمعة، كنوع من «ردة الفعل» الأولية المأفونة على هذا التهريج الإعلامي العفن! الشاهد هنا أن فكر التكفير- وككل مرة - عاد إلى الواجهة من جديد بسبب ماذا؟! بسبب تلك التجاوزات الدرامية العبثية التي تحدث الفتنة وتعصف بالسكينة الاجتماعية؛ إن مثل هذا الموقف يؤكد وبعمق أنه لا يمكن محاصرة فكر التكفير وتجفيف منابعه إلا بمحاصرة فكر الإرجاء أو على الأقل اضطراره إلى أضيق الطريق. أتعجب كثيرا من كثير من تلك المداولات الحوارية المعنية بمعالجة العنف ومقدماته التكفيرية، حيث يتم اختصار المعالجة واختزال الظاهرة – مع أنها ذات بُعد تركيبي!- في بُعد واحد أو بضعة أبعاد، ورغم محورية هذه الأبعاد ومركزيتها في سياقها إلا أنها لا تكفي.كثير من المعالجات تتجاهل سببا أساسيا في نشوء ظاهرة التكفير وارتفاع وتيرة العنف هذا السبب يتمثل في فكر الإرجاء الذي هو نتيجة وسبب في الوقت ذاته إذ يتعذر تحجيم الفكر الخوارجي وإيقاف انسيابيته واستئصال شأفته من غير محاصرة فكر الإرجاء وإدانته، ومطاردة كافة البواعث التي تدفعه باتجاه الانتشار والتمدد. إن القراءة الحفرية السابرة لجذور تلك الإشكالية – إشكالية العنف - الآخذة بالتفاقم تلك القراءة تقرر وبلغة عالية القطعية، أن الإرجاء فاعل تكويني وتأثيري فعال في هذا السياق وتداعياته الخطيرة والمدمرة، والتي يتولد عنها وبالضرورة فكر العنف الخوارجي الذي تتنامى حالاته ويتضاعف حجم التأدلج بمضامين حيثياته والانفعال بديكتاتوريته الثقافية، كلما تضخم حضور الإرجاء الذي لا يفضي في النهاية إلا لحالة من الاحتراب، ولمزيد من التشظي والتأسيس لتشكل مكونات خطاب الدم. هناك ارتباط عضوي بين فكر الخوارج والإرجاء، ولذا يتعذر نجاح المقاربة المعرفية ما لم تأخذ في عين الاعتبار هذا الارتباط البنيوي بين الظاهرتين، صحيح أنه يبدو للناظر في الوهلة الأولى، أن فكر الخوارج كحالة ذهنية متلبسة بالدم، يحضر وبصورة مضادة للذهنية الإرجائية، لكن في حقيقة الأمر أنهما حتى وإن اختلفت مظاهرهما كل الاختلاف، بل حتى ولو تبادلا الشيطنة في أبشع صورها، وصوّر أحدهما الآخر على أنه المحتكر الوحيد لبؤرة الشر إلا أنهما يصطفان في خندق واحد، فكل واحد منهما يستحضر الآخر، وإن كان يلغيه ظاهريا كل واحد منهما يمثل مصدر إلهام يمتح منه الآخر؛شيوع أحدهما وتكاثره وتمدد فضاءاته يُكسب الآخر قدرة أكثر على النمو والتشعب على صعيد المعنى والمبنى,كل واحد منهما يمعن في تسعير الخطاب الآخر وإذكاء جذوته وتأجيج اندياحه! إنهما يتقاطعان في النسق العام وفي استمراء القفز على الحقائق الفطرية الثابتة، كلاهما يتكئان على اعتبارات واهية تدفعهما إلى ممارسة لون من الاستدراك على التشريع ذاته والجنوح وباستمرار نحو القالة على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير, كلاهما ذو صوت منكر ولذا هو مرفوض، ومستهجن، تنفر منه الذاكرة الشعبية، ويلفظه الوعي العام بفطريته، كلاهما تتقاصر به ملكته عن التناغم مع أفق النصوص الدينية واستيعاب دالّها ومن ثم الوقوع في موبق التأثم واجتراح جريرة تشويه الطاقة الدلالية للنصوص وتحميلها ما لا تحتمل من المعاني التي تأباها طبيعة النظام التأويلي المتماسك. ومحصول القول: كلما وُجد خطاب الإرجاء فسيتولد عنه وبالضرورة فكر الخوارج والعكس صحيح. هكذا تقرر شواهد الواقع، وهكذا تشهد وقائع التاريخ، فكلما كان لأحدهما حضور فاعل في المشهد فسيكون للآخر حضور انفعالي يؤكد طبيعة تلك العلاقة الجدلية وهذا النفَس التفاعلي الذي يحكم منطق الخطابين اللذين لازالا يقتسمان جريرة التنكيل بالحقيقة ونسف مقدماتها البديهية!