في الائتمان، ما ينطبق على الأفراد ينطبق على الشركات وأيضا على الدول. فالاقتراض الشره دونما خطة واضحة للانفاق الذي يدر دخلا يمكن من سداد اصل الدين وما يترتب عليه من فوائد له عواقب وخيمة. ووصول المقترض الى مرحلة الاقتراض الإضافي لعجزه عن سداد القروض السابقة التي تحل أول مراحل وبوادر الإفلاس. أزمة اليونان التي تدور من بضع سنين، وما زالت رحاها تطحن الأخضر واليابس مثال واضح على ان الدول ليست بمعزل عن خطر الإفلاس. فمنذ انضمامها الى الاتحاد الأوربي، بدأت الدولة في الاقتراض حتى وصل الدين العام الى 350مليار يورو (اكثر من 90% منها دين خارجي)، وهذا الرقم يشكل اكثر من 180% من الناتج المحلي للدولة اليونانية، وهو ضعف معدل الدين الى الناتج المحلي لدول الاتحاد الأوربي. اقتراض شره دون وجود خطة للانفاق الذي يولد تدفقات نقدية تمكن الدولة من سداد الدين والفوائد التي تحل عليه. اقتراض شره دون وجود نظام فعال للتحصيل الضريبي، بل وتصنف اليونان على انها احدى اسوأ دول العالم في انظمتها الضريبية، حيث انه ورقي ويقوم كل فرد بتحديد ما يجب عليه دفعه من الضرائب (بنفسه) دون أي مراجعة حكومية. اقتراض شره دون وجود أي خطة لخصخصة القطاع العام، بل ان احد اهم اسباب انتخاب الحكومة الحالية تبنيها موقفا رافضا لخصخصة المطارات والموانئ وغيرها من القطاعات العامة التي عجزت الحكومات السابقة عن تحويلها الى كيانات ربحية، الا انها تراجعت عن موقفها هذا الأسبوع وأقرت خصخصة ما قيمته 50 مليار يورو من القطاعات العامة مقابل حزمة جديدة من القروض التي من المتوقع ان توافق عليها المانيا بعد مراجعة خطة حكومة اليونان الإصلاحية الأخيرة. وكجزء من الإصلاحات الهيكلية التي على اليونان القيام بها كي تتلقى حزمة جديدة من الديون (الإضافية) كي تسدد ديونها التي تحل الآن، خفض انفاقها على القطاع الصحي والتعليمي والعسكري، كما ان عليها الغاء جزء من معاشات وحقوق المتقاعدين فيها، وعليها ايضا ان تتبنى شروطا اضافية من الاتحاد الأوربي (الذي تتزعمه وباستحقاق المانيا) تحد من الهدر المالي الذي يتضح جليا بما آلت لها الأمور في الدولة التي لا يتجاوز عدد سكانها ال11مليون نسمة. كثيرون في اليونان يعتقدون ان شروط الاتحاد الأوربي ينال من سيادة واستقلال اليونان، ولكن هؤلاء نسوا أو تناسوا ان الاتحاد يعني الشراكة، وذلك يقتضي عدم السماح لشريك في الاتحاد بالاضرار بمصلحة (الجماعة الأوربية). لم يوقف احد من الاتحاد الأوربي اليونان حين كانت تقترض بطريقة عبثية، والآن على الاتحاد تحمل جزء من المشكلة لتوفير التمويل الكافي كي لا تنهار (الجماعة الأوربية)، كما ان على اليونان تبني شروط الاتحاد حفاظا على مصلحة الشركاء الذين سيلحق بهم ضرر عميق متى اعلنت اليونان تعثرها (افلاسها). الحقيقة ان اليونان كانت دولة زراعية من الطراز الممتاز، كما كانت تتمتع بقطاع منتج ومصدر للثروة السمكية، وكانت من انجح دول العالم في الاستزراع السمكي، الا ان دخولها للاتحاد الأوربي وتبنيها لليورو دمر ميزتها التنافسية نتاج ارتفاع عملة اليورو مقابل عملات الدول المنافسة لها في شرق اسيا، وفشلت الحكومات اليونانية في خلق ميزة تنافسية جديدة سواء صناعية او خدمية او تقنية، وحتى لو خرجت اليونان من الاتحاد الأوربي (كما تنصح بذلك بريطانيا واحيانا روسيا )، فسيكون صعبا عليها المنافسة من جديد، وربما ان تبني شروط شركائها في الاتحاد الأوربي سيكون اسهل عليها من ذلك، فالزراعة النباتية والسمكية التي اشتهرت بها تحتاج لجيل لإعادة اتقانه والمنافسة به. ان الإنفاق بدون خطط محكمة ذات اهداف انتاجية واضحة عمل عبثي لا فائدة منه، فالانفاق يجب ان يهدف الى الاستفادة القصوى من المميزات النسبية كما وينبغى له خلق مميزات نسبية جديدة، وحين تقترض الدول عليها ان تعي جيدا عواقب فشل انفاقها في خلق قيمة اقتصادية حقيقية ومنتجة. كما ان على الدول حين (تقرض) ان تقوم بواجبها تجاه دراسة حال الدول المقترضة ومدى جديتها في مشروعها التنموي والاقتصادي، حتى لا تذهب اموالها أدراج الرياح. * متخصص مالي ومصرفي