ظلت مسألة حقوق الانسان تشغل بال الكثيرين من العلماء والناشطين وقد شكلت لها اللجان والهيئات والمنظمات بكافة اشكالها ومسمياتها منذ أمدٍ بعيد، ولقد برزت عدة مدارس ورؤى في الآونة الأخيرة عن هذه المسألة، وكلٌ يراها من منظوره الفكري والعقدي الشخصي، وكان من ابرز تلك الرؤى في العصر الحديث، هي الرؤية الاسلامية لحقوق الانسان، حيث عقدت المؤتمرات والسمنارات وكونت اللجان وصدرت التوصيات والقرارات التي توضح ان هناك رؤية مغايرة لما هو ممارس على ارض الواقع، إلا أنّ الحال لم يزل كما هو لم يتقدم ان لم يكن قد تأخر كثيراً. حيث لم تزل انتهاكات حقوق الانسان مستمرة وهي في اتساع الرقاع حتى الآن، وقد ظلت في تجاذب مستمر ما بين الرؤية بين هؤلاء وأولئك، والمواثيق الدولية لا تجد من يطبقها على ارض الواقع بمعيار العدل، بل يؤخذ الامر في معظم الأحيان بطفيف في ازدواجية للمعايير ظاهرة دون حياء، بالرغم من استمرار انعقاد المؤتمرات التي كثيراً ما كان يحضرها زمرة من كبار العلماء، حيث نجدهم قد تدارسوا أهم القضايا التي يعيشها العالم اليوم وصلة ذلك بحياة البشر في مختلف الأرجاء، حيث الكثير من المواضيع والأطروحات التي تقدم رؤاها من منطلق الفكر والقيم الاسلامية وربط ذلك بتعاملات العصر الحديث. ويظل موضوع حقوق الإنسان كأحد المواضيع التي تدور حولها الكثير من القضايا والمنازعات، مع استشراء المظالم الدولية والعالمية وانتشار بؤر الحروبات في الكثير من اصقاع العالم والدول الاسلامية والعربية على وجه الخصوص، ما سبب الكثير من المشاكل والتعقيدات لدى العديد من دول العالم، وأدى الى المساس بكرامة الإنسان وحقوقه، واذا ما علمنا ان من اهداف المؤتمرات التي كانت تعقد بشأن حقوق الانسان، أنها تقوم بإبراز سمو مبادئ الشريعة الإسلامية وسعيها لتحقيق كرامة الإنسان وصون حريته وبيان أسبقيتها على المواثيق الدولية في ذلك، فحري بنا ان نحقق ذلك على ارض الواقع وألا تقف جهودنا عند آخر فصول فعاليات المؤتمرات التي تعقد لتنتهي الى احتفاءات اعلامية تسود بها صفحات الصحف لينتهي الأمر الى الأضابير والأرشفة، وكان لا بدّ لنا من تعميق القيم والمبادئ الانسانية من اجل تحقيق اقصى ايجابية في القانون الإنساني الدولي، وبيان تلك المبادئ بما يمكن المساهمة في تطوير الانظمة والمواثيق الدولية ذلك بالعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان ودعم أنشطتها والتوعية بقضاياها ومشكلاتها وتشجيع القائمين على امرها من نشطاء وغيرهم ممن لهم صلة بتلك المنظمات الدولية، مع تسجيلنا الحضور في كافة المحافل الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان، حتى تتكامل الرؤى والجهود من اجل تحقيق أقصى مرحلة من مراحل صون حماية الإنسان وضمان حقوقه في العالم المعاصر، ولا بد من نبذ الانتهاكات والممارسات الخاطئة التي لا تخطئها العين وما أكثرها اليوم في حياة الناس، ونحن لم نزل نرى امام اعيننا حالات البطش والقهر والتقتيل والتشريد وانتهاك الأعراض والتفريق بين النسل، بسبب الحروبات المستشرية اليوم، ومن المؤسف له ظلت وما زالت منظمات حقوق للانسان في جُلها لا تتعدى جهودها الشجب والادانة والاحتجاجات الاعلامية فقط، دون ان يكون لها دور مباشر وايجابي من اجل حماية الانسان من انتهاكات الحروب التي سببت للكثيرين النزوح من اوطانهم وتركها وراءهم خراباً ينعق فيها البوم، بل بعض تلك الديار وصل الحال فيها ما لم يسمح حتى للبوم ان يستقر فيها لما اصابها من دمار، وصوت الانسانية لم يزل لا يعلو الا ليخفت دون تحقيق اي اهداف ينتظرها اولئك الذين هدتهم هذه الحروبات المقيتة التي لا يُعرف لها مدى حتى الآن، ما يستوجب انسانياً كافة المسؤولين في كل العالم التفكير الجاد في ايجاد مخرج عاجل قبل ان يستفحل الداء فيصعب محاصرته في الوقت المناسب، ذلك اننا في زمن عندما تخرج الاشياء من طورها تتطور بسرعة ويصعب لحاقها، حيث يتعرض البشر وخاصة المدنيين منهم الى شتى انواع الانتهاك من توقيف واعتقال وسرقات وارهاب فكري واختطاف واساءة معاملة على اقل تقدير، هذا ان لم يكن حظهم القتل والدمار (وما يذهب لا يعود)، واذا ما اعتبرنا أنّ حقوق الإنسان هي الحقوق والحريات المستحقة لكل شخص لمجرد كونه إنسانا. فإنّ هذا المفهوم يستند على الإقرار لجميع أفراد الأسرة البشرية من قيمة وكرامة أصيلة فيهم فجميعهم من دون أي تمييز يستحقون التمتع بحريات أساسية معينة وحياة كريمة وصيانة لحياتهم من كافة المخاطر. وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن فيعيش حياة السلام ويصبح قادراً على المساهمة في الحياة بما يسعده ويسعد البشرية جمعاء. * محامٍ دولي ومستشار قانوني