كان الوطن بجميع أطيافه ومؤسساته قد حبس أنفاسه يوم الجمعة الفائت خوفا أن يتكرر العمل الإرهابي الذي ضرب البلاد خلال الجمعتين الماضيتين في بلدة القديح وحي العنود بالدمام، وكان الترقب القلق يساور الجميع من أن يصبح ذلك العمل المتوحش نمطاً متكرراً في كل جمعة، خصوصاً بعد الإعلان عن خلية من ستة عشر شاباً سعودياً كانوا ضالعين بدرجة أو بأخرى في العملين الإرهابيين، واختفائهم بشكل تام، خصوصاً وأن الأجهزة الأمنية قد توجهت للمواطنين في محاولة الاستدلال على خيط ما يقود إلى القبض على أفراد تلك الخلية بعد أن تم نشر صورهم بشكل موسع. ويمكن تفسير المكافآت المادية التي طرحتها وزارة الداخلية لمن يدلي بمعلومة تؤدي إلى القبض على أي فرد من الخلية بالجدية التي يتخذها الجهاز الأمني في هذه المسألة. مما انعكس تحفزا واستنفارا لدى المواطنين. كان المراقبون يتوقعون اعتماداً على نمط التفجيرات السابقة وأهدافها المنتقاة أن تكون المنطقة الشرقية التي كانت للأسف مقر العمليتين الإرهابيتين السابقتين اللتين استهدفتا دور العبادة مكاناً للعمل الإرهابي المحتمل، وقد يصعد المزيد من الشهداء في ذلك اليوم. وكنا حين ذهبنا إلى صلاة الجمعة قد شاهدنا ذلك الحضور الأمني الذي لم يسبق له مثيل أمام بوابات الجوامع. لكن وإن مرت تلك الجمعة على المنطقة الشرقية بسلام إلا أن الجبهة الجنوبية للوطن كانت على موعد مع سقوط شهداء وبنفس عدد شهداء الجمعة التي قبلها في حي العنود. في ذلك اليوم، يوم الجمعة الفائت، كانت القوات المسلحة على موعد مع هجوم كبير من قبل الحوثة وأعوان المخلوع علي عبدالله صالح. كان الهجوم كبيراً وغير مسبوق وحاول الحرس الجمهوري بقيادة ابن المخلوع تحقيق اختراق على الجبهة الجنوبية. ومحاولة الذهاب إلى اجتماع جنيف الخاص بالأزمة اليمنية بأوراق ضغط جديدة، وتحقيق أي انجاز على الجبهة مهما كانت كلفته البشرية من أرواح اليمنيين، والمادية من مقدرات اليمن الضعيفة أصلا. تلك الجمعة كان جنود الوطن للحوثة وحلفائهم من قوات المخلوع بالمرصاد ولأن الهجوم كان كبيراً وغير مسبوق فقد ارتفعت أرواح أربعة شهداء في ذلك اليوم إلى بارئها. وهم على التوالي النقيب ناصر بن خالد العطاوي- الحرس الوطني، الملازم عبدالله بن يحيى الفيفي- القوات البرية، العريف حسن بن أحمد الناشري- القوات البرية، الجندي طيب علي حسن منقري- حرس الحدود. وكأن القدر اختار العدد نفسه في مقابل شهداء الجمعة التي قبلها والتي ارتفعت فيها أرواح أربعة من أبناء المنطقة الشرقية أبناء الأربش والهاشم والعيسى. هكذا تمتزج دماء أبناء الوطن في الدفاع عن حياضه أمام خطرين داهمين الدواعش والحوثة. فهما تنظمان عقائديان يتصفان باسترخاصهما لأرواح البشر. يعرف الحوثة مدى تفوق الآلة العسكرية السعودية على آلتهم الحربية ومع ذلك فهم يدفعون بأطفال في مواجهة آلة عسكرية متفوقة بشكل كبير يدفعون بهم إلى الموت دون أن يهتز لهم جفن، والملاحظ لأعمار الخلية الداعشية الستة عشر يرى بوضوح صغر سنهم وحداثة عقولهم. الوطن بين تطرفين عقائديين لا يرقبان فينا إلاً ولا ذمة؛ داعش والحوثة. * قاص وروائي