مع تزايد المخاطر البيئية لم تعد المفاهيم الاقتصادية «القديمة» التي أهملت أهمية البعد البيئي في التنمية الاقتصادية ملائمة للتحليل الاقتصادي؛ إذ تمّ صياغة مفاهيم اقتصادية «جديدة» (الاقتصاد الأخضر) من أجل تصحيح الاختلالات البيئية. ويربط مصطلح «الاقتصاد الأخضر» بين الاقتصاد والبيئة، ويُعرف بشكل عام بأنه نموذج جديد من نماذج التنمية الاقتصادية السريعة النمو، والذي يقوم أساسه على المعرفة للاقتصاديات البيئية والتي تهدف إلى معالجة العلاقة المتبادلة ما بين الاقتصاديات الإنسانية والنظام البيئي الطبيعي، والأثر العكسي للنشاطات الإنسانية على التغير المناخي، والاحتباس الحراري، وهو يناقض نموذج ما يعرف بالاقتصاد الأسود والذي أساسه يقوم على استخدام الوقود الاحفوري مثل الفحم الحجري والبترول والغاز الطبيعي. ويتبنى الاقتصاد الأخضر الطاقة الخضراء التي يتم توليدها بواسطة الطاقة المتجددة، والمحافظة على مصادر الطاقة واستخداماتها كمصادر طاقة فعالة، وفي خلق ما يعرف بفرص العمل الخضراء، والإنتاج الأخضر الذي يشمل الزراعة العضوية وتشجيع المنتجات العضوية والمتاجر الخضراء بالإضافة إلى ضمانة النمو الاقتصادي المستدام والحقيقي، ومنع التلوث البيئي، والاحتباس الحراري، واستنزاف الموارد الطبيعية. وفي هذا الشأن يؤكد الدكتور عبدالباري النويهي أستاذ الاقتصاد والباحث في مجال الاقتصاد البيئي، أن الاقتصاد الأخضر هو طريق إلى التنمية المستدامة ومحو الفقر وهو يمسّ كل ناحية من حياتنا ومسيرتنا الإنمائية. فهو يشمل الطاقة المستدامة، وكفاءة استهلاك المياه وإدارتها، والوظائف الخضراء، وتقليص الانبعاثات الكربونية، والنقل المستدام، والعمارة الخضراء، والزراعة، ومصائد الأسماك، وصون الغابات، وإدارة النفايات، والسياحة المستدامة، وكفاءة استغلال الموارد. محاربة الفقر وتنمية مستدامة قال الدكتور عبدالباري: إن الاقتصاد الأخضر هو ببساطة شديدة امتداد وتطور لمفهوم التنمية المستدامة والذي أصبح من المفاهيم التي طفت على السطح منذ مؤتمر ستوكهولم عن البيئة الإنسانية والذي أسس أيضاً لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة، وفي مؤتمر ريو بالأرجنتين عام 1992، والذي ركز على فكرة التنمية والبيئة فلقد حدد تصريح ريو الذي صدر عن المؤتمر حقوق والتزامات الدول في سعيها نحو التنمية المستدامة والتضامن الدولي، ولكن الإنجاز الأكبر في هذا السياق قد ظهر مع وضع الأممالمتحدة لأهداف الألفية الجديدة الثمانية للتنمية بناء على القرار رقم 55/2 والذي هدف إلى محاربة الفقر والترويج للتنمية المستدامة. ولفت إلى أنه قد تم وضع العديد من التعاريف لمفهوم التنمية المستدامة، ولكن التعريف الأكثر اتفاقاً عليه بين جمهرة الباحثين هو «التنمية التي تقابل احتياجات الجيل الحالي دون التضحية بقدرة الأجيال القادمة لمقابلة احتياجاتها». أبعاد تحقيق تنمية مستدامة وأضاف النويهي: لكي يتحقق مفهوم التنمية المستدامة فقد تم تبني ثلاثة أبعاد أساسية لها وهي البعد الاقتصادي وهو يعتمد بالأساس على محاربة الفقر، البعد الاجتماعي المشاركة الفعالة للمرأة، وتحسين التعليم، والحوكمة الجيدة، البعد البيئي، منع التدهور البيئي، ونماذج التنمية غير المستدامة. وأوضح النويهي أن مفهوم الاقتصاد الأخضر قد ظهر على الساحة خلال السنوات القليلة الماضية، ولقد ظهر وبدا جلياً في كلمات رؤساء الدول والحكومات ووزراء المالية بمجموعة العشرين، ونوقشت فكرة الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة وتقليل الفقر. وتابع النويهي: عرف برنامج الأممالمتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بأنه «ذلك الذي ينشأ مع تحسن الوجود الإنساني والعدالة الاجتماعية، عن طريق تخفيض المخاطر البيئية». كما يمكن تعريف الاقتصاد الاخضر على أنه «هو الاقتصاد الذي توجد به نسبة صغيرة من الكربون ويتم فيه استخدام الموارد بكفاءة، الاحتواء الاجتماعي. كما أن النمو في الدخل والتوظف يأتي عن طريق الاستثمارات العامة والخاصة التي تقلل انبعاثات الكربون والتلوث، تدعم كفاءة استخدام الموارد والطاقة، وتمنع خسارة التنوع البيولوجي، وهذا لا يتحقق إلا من خلال إصلاح السياسات والتشريعات المنظمة لذلك». اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة واسترسل النويهي في توضيح ان مفهوم الاقتصاد الأخضر لا يحل محل مفهوم التنمية المستدامة، ولكنه نتيجة الاقتناع المتزايد بأن يتم التنمية المستدامة المطلوبة لن تتحقق إلا عن طريق الترويج لفكرة الاقتصاد الأخضر بعد عقود من تدمير البيئة عن طريق الاقتصاد البني (وهذا المصطلح هو عكس الاقتصاد الأخضر والمبني على التنمية الملوثة للبيئة)، ولن يكون بمقدورنا تحقيق الأهداف التنموية للألفية دون تحقيق الاستدامة التي تعتمد بدورها على فكرة الاقتصاد الأخضر. الاقتصاد الأخضر في الدول النامية ويؤكد النويهي أن بإمكان الدول النامية تحقيق الاقتصاد الأخضر عن طريق الزراعة الخضراء في الدول النامية التي تركز على المساحات الصغيرة التي من الممكن أن تخفض الفقر، والاستثمار في الطبيعة التي يعتمد عليها الفقراء، كالمحميات والصيد وغيرها، والاعتماد على الطاقة المتجددة لأنها تساعد في حل مشكلة فقر الطاقة، والترويج للسياحة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية غير الملوثة للبيئة، لأنها تعتمد على دعم الاقتصاد المحلي وحل مشكلة الفقر. ويشير النويهي الى أن التحرك نحو الاقتصاد الأخضر لديه القدرة على تحقيق التنمية المستدامة ومحاربة الفقر على نطاق واسع، كما يمكنه تحقيق النمو والتوظف مثل الاقتصاد البني، ولكنه يحقق ما لا يحققه الاقتصاد البني من اهتمام بالجوانب البيئية والاجتماعية. يوضح النويهي أثر الأزمات الاقتصادية والمالية التي مر ويمر بها العالم وأدت إلى معاناة الملايين من الناس من الفقر، وخصوصاً أولئك في العالم النامي المعرضين أكثر من الدول المتقدمة، وذلك من خلال الأزمات في الغذاء، والماء، والطاقة، والنظام البيئي والمناخ...الخ. هذه الأزمات مجتمعة أضعفت الجهود لتحقيق أهداف التنمية وأعادت محاولات التطور التي حصلت منذ تبني مفهوم التنمية المستدامه إلى الخلف. ويتابع النويهي قائلا: إن مواجهة هذه الأزمات الاقتصادية والمالية الحالية تتطلب وقفة جماعية من المجتمع الدولي لمواجهتها، وعلى الاقتصاديات المتقدمة والرائدة مواصلة وتقوية التنسيق لبرامجها التحفيزية لإنعاش النمو الاقتصادي العالمي مع ضرورة الأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها من البرامج بحيث تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، هذا بالإضافة إلى أنه يتوجب على المجتمع الدولي ضمان وجود الإمكانات المادية للدول النامية حتى تستطيع البدء ببرامجها في هذا الشأن. اقتصاد مستدام وحقيقي ويؤكد النويهي أن الاقتصاد الأخضر هو نموذج جديد من نماذج التنمية الاقتصادية السريعة النمو يقوم على المعرفة للاقتصاديات البيئية والتي تهدف إلى معالجة العلاقة المتبادلة ما بين الاقتصاديات الإنسانية والنظام البيئي الطبيعي والأثر العكسي للأنشطة البشرية المختلفة على النظام البيئي. ويضيف النويهي ان الاقتصاد الأخضر يناقض ما يعرف بالاقتصاد الأسود والذي يقوم بشكل أساسي على استخدام الوقود الحجري مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي مقارنة بالاقتصاد الأخضر والذي يدعو الى الاعتماد على الطاقة الخضراء أو ما يعرف بالطاقة المتجددة بدلاً من الوقود الحجري مع المحافظة على مصادر الطاقة واستخداماتها، كما يسهم هذا النموذج في خلق ما يعرف بفرص العمل الخضراء مع العمل على استمرارية النمو الاقتصادي المستدام والحقيقي، ومنع التلوث البيئي، والاحتباس الحراري، واستنزاف الموارد والتراجع البيئي. وتطرق النويهي إلى حرص مجموعة الثماني ومجموعة العشرين (ومن بينها المملكة العربية السعودية) من منطلق مسئولياتها على زيادة وتنوع المساعدات للدول النامية من خلال زيادة دعم ميزان المدفوعات، التمويل التجاري والتنازلات المالية للدول الأفقر بما يساعدها على تحقيق أهداف الاقتصاد الأخضر والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة المنشودة. بعدنا عن الاقتصاد الأخضر وفيما يتعلق في بعدنا عن الاقتصاد الأخضر، يقول النويهي :يعيش أكثر من نصف سكان العالم حاليا في المناطق الحضرية، وتعتبر المدن حاليًا مسئولة عن 75 % من استهلاك الطاقة و 75 % من انبعاث الكربون. وتؤثر المشاكل المتزايدة والمرتبطة ببعضها البعض من زحام، وتلوث، وسوء تقديم للخدمات على الإنتاجية والصحة العامة للجميع ولكنها أكثر وطأة على الفقراء في المناطق الحضرية. وتتعاظم الحاجة للتخطيط الذكي للمدن؛ نظرًا لأن من سكان العالم من يعيشون الآن في اقتصاديات ناشئة تتحول بسرعة إلى الصبغة الحضرية، وينتظر أن تشهد ارتفاعاً في مستوى الدخل والقدرة الشرائية واتساعاً هائلاً في البنية الحضرية في السنوات القادمة. الانتقال للاقتصاد الأخضر بين الدول ويوضح النويهي اختلاف الانتقال للاقتصاد الأخضر بين الدول نظرًا لاعتماده على تفاصيل رؤوس الأموال البشرية والطبيعية لكل دولة وعلى المستوى النسبي لتقدمها، فقد وصلت بعض الدول لمستويات عالية من التنمية البشرية ولكن عادة ما يكون ذلك على حساب قاعدتها من الموارد الطبيعية، وجودة بيئتها، وارتفاع انبعاث غازات الاحتباس الحراري. ويكمن التحدي الذي تواجهه هذه الدول في خفض نسبة بصمتها البيئية للفرد دون التأثير على جودة الحياة فيها. ولا تزال بعض الدول الأخرى تحافظ على نسبة منخفضة لبصمتها البيئية للفرد، ولكنها تحتاج لتحسين مستويات الخدمات والرفاهية المادية لمواطنيها. ويكمن التحدي بالنسبة لتلك الدول في تحقيق ذلك دون زيادة بصمتها البيئية بشدة، ويمكن القول إجمالا ان جميع دول العالم تقريبًا يؤثر فيها أحد هذين التحديين، ومازلنا بعيدين عن كوننا اقتصادًا أخضر على المستوى العالمي. ماذا سيحقق الاقتصاد الأخضر وبشأن ما سيحققه نجاح دول العالم في تطبيق مبادئ الاقتصاد الأخضر يقول النويهي: وحسب ما ذكر في تقرير لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة فان سيحقق الاستثمار في رأس المال الطبيعي، محاربة الفقر، خلق فرص عمل ودعم المساواة الاجتماعية، استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة المستدامة والتقنيات منخفضة الكربون، تحسين كفاءة الموارد والطاقة، يحقق نموا حضريا أكثر استدامة كما يسهم في خفض معدلات الكربون الناجمة عن وسائل النقل المختلفة، كما أثبتت الدراسات التي قام بها البرنامج أن الاقتصاد الأخضر ينمو أسرع من الاقتصاد البني بمرور الزمن ويحافظ على الموارد الطبيعية ويستعيدها. الاقتصاد الأخضر فرص وظيفية ومكاسب بيئية وتنمية مستدامة للدول