نعيش هذه الأيام مناسبة الاختبارات المدرسية، ودأبَ عقلاء الناس على الاهتمام بأولادهم أكثر من أيام الدراسة، ويتمنى كل واحد منهم أن يجد وسيلة تكون سببا في سعادة ونجاح أولاده في اختباراتهم، ولا أدل على ذلك من حرص الناس في هذه الأيام على التشجيع بأنواعه وأشكاله، وبذل النصائح، والمتابعة الدقيقة؛ حرصا على وقت الأبناء، واستثماره وعدم ضياعه. وإن كان هذا الأمر مطلوباً من الوالدين لأولادهم في وقت الاختبارات وفي غيرها من الأوقات، ومن أهم الأمور التي يغفل عنها كثير من الناس، الدعاء وهو من أعظم أنواع العبادة بل هو العبادة، كما قال عليه الصلاة والسلام (الدُّعَاءُ هو العِبَادة). ومن القصص التي تبين أهمية الدعاء للأولاد قصة يعقوب عليه السلام الذي فقد ثلاثة من أبنائه، فقد يوسف، بعد أن وضعه إخوته في البئر، ثم بنيامين الذي أخذه يوسف عنده، عندما ذهب إلى مصر مع إخوته، والثالث الذي قال كما قال تعالى: «فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ» فسأل الله أن يحفظ أبناءه، وأن يردهم إليه، كما قال تعالى عنه: «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ»، فاستجاب الله تعالى دعاءه لأبنائه، فجمعهم جميعا، وأحدهم وزيرا لمالية مصر، لا يصرف من بيت مال المسلمين صاع من طعام إلا من تحت يده، كما قال تعالى: «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ، وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ». وفي الحديث الآخر: ((ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ، دَعْوَةُ الْوَالِدِ لولده، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ))، فشأن الدعاء للأولاد شأن عظيم، وهو من أعظم الوسائل المعينة والنافعة، لسعادة الأولاد في الدنيا والآخرة ويكفي أن الله تعالى أمرنا بالدعاء ووعدنا باستجابته فقال: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ»، بل إن الله تعالى توعد من أصابه الغرور لكثرة ماله، أو جاهه، أو صحته، أو أي أمر آخر يرى الإنسان أنه ليس بحاجة لهذه العبادة فقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ»، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ ))، وكما قال القائل: اللهُ يَغْضبُ إن تركْتَ سُؤَالهُ ... وَبُنيُّ آدمَ حين يُسألُ يَغْضَبُ وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ بِمِثْلِهَا)) قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ عليه الصلاة والسلام: ((اللَّهُ أَكْثَرُ)). ومن الأدعية المهمة للوالدين دعوة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)، وهذه الدعوات من خير الدعوات التي يدعو بها العبد المؤمن له ولذريته، فلا أحبّ له من أن يكون مقيماً للصلاة هو وذريته على الوجه الأكمل والأتم. وفي المقابل ننبه ونحذر من الدعاء على الأولاد، ففي مسند الإمام أحمد عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ))، وفي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدعُوا عَلَى أوْلادِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أموَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسألُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ)). فأوصي الوالدين بالدعاء لأولادهم في كل وقت وحين، لا سيما في هذه الأيام، أن يصلحهم وأن يجعلهم من أهل الفلاح والنجاح والبارين بوالديهم، «إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ».