من بالغ الأسف وعظيم الحسرات أن يكون أكثر سؤال تم تداوله منذ أن تم تنفيذ العملية الإرهابية الخسيسة في القديح: هل المنفذ سني أم شيعي المذهب؟، وكأننا لسنا بصدد عملية إرهابية تستهدف الوطن والمواطنين على اختلاف مذاهبهم، أو لسنا حيال عدوٍ واحد وضعنا نصب عينيه، دون أن يأبه بانتماءاتنا المذهبية، وتوجهاتنا الفكرية، أو حتى بجغرافياتنا المناطقية، وكم تمنيت أن نعي الدرس منذ أن وقعت حادثة الدالوة الأليمة قبل فترة، وقبلها ما وقع في الرياض أو مدينة بقيق، فعلى أقل تقدير كانت حادثة الدالوة درسا استثنائيا أكد لنا قاطبة أن الإرهابي الدنيء يستهدف ضرب الصف الواحد وتشتيت اللحمة الوطنية وزعزعة صفوفها، فتعامل الجميع مع الحادثة وفق هذا التصور الواضح، فجاءت إدانة أهالي الأحساء شيعة وسنة الواقعة وساروا يدا بيد ليقولوا لذلك الإرهابي خسئت وباتت مساعيك إلى فشل ذريع. الآن ونحن نقف حيال حادثة إرهابية جديدة تستهدف الوطن بأسره صرنا في أمس الحاجة إلى الترفع عن سؤال على درجة كبيرة من السطحية والسذاجة، وتكراره وتكريسه يحقق للإرهاب مآربه وأهدافه، ويختصر الطريق على ما وضعه من مخططات، تضع الشيعي في مواجهة مباشرة مع اخيه السني، حين تلقى التهم جزافا على النحو الذي رصدناه في مواقع التواصل الاجتماعي، بل انطلت اللعبة على أناس يقودون الفكر وكنا ننتظر منهم أن يجابهوا الطائفية وفكرها ويضعوا نصب أعينهم الوطن ووحدة صفه. ما أفهمه من هذه العملية الإرهابية النتنة أن ثمة من يخطط ويرسم وينفذ ضد وطني، نعم: وطني الذي استهدفوه وزعزعوا أمنه وروعوا الراكعين الساجدين في بيوت الله، أو في أي بقعة فيه، وهذا هو ما يعنيني: أن لا أنساق وراء الذين يصبون حقدهم الطائفي في هذه الفترات العصيبة تحديدا ليؤلبوا المواطنين على بعضهم البعض، في بلدٍ آمن يتفأ ظلال الخير ورغد العيش، فتترصده أعين الحاقدين وعلى رأسهم الطائفيون فكرا وممارسة، وهذا بحد ذاته الخطر الداهم الذي يحيق بنا جميعا إن عززنا أسباب وجودهم ومنحناهم فرصة للتحرك بيننا. رحم الله من طالتهم يد الغدر والإرهاب والنذالة والخسة والجبن في قرية القديح، وحسبهم الله فيمن عنده، وأسكنهم جنات النعيم، وحفظ الله هذه البلاد وأهلها من فتنة الطائفية المقيتة، فقد بات الأمر جليا بأننا حيال مشروع منظم هدفه الرئيسي خلق هذه المواجهة بين الطائفتين، وإشعال فتيلها، وتأجيج نيرانها، وبالتالي بات دورنا أكبر من التنظير وأهم من التعبير، بأن نكون عمليين وفاعلين من حيث ما يلي: أولا: بث روح التوحد في الصف والكلمة والمصير بين أبناء الوطن، ثانيا: تأكيد المواطنة بمعناها العميق، بجعلها منطلقا لمواقفنا وممارساتنا، ثالثا: ضرورة العمل على إسقاط الأقنعة عن وجوه كل خائن، امتهن الترويج للطائفية، والدعوة لها، أو تبنى موقفا تأليبيا بين أبناء هذا الوطن الغالي العزيز، وستبقى الدالوة والقديح والرياض رغم قسوة ما حدث محفزا لنا على المحافظة على الصف الواحد في هذا الوطن. أستاذ الأدب والنقد، كلية الآداب - جامعة الملك فيصل