لقد كان للمرأة في دول مجلس التعاون الخليجي دور متنام سجله لها تاريخ النهضة الحديثة في كل مرحلة من مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي. ويؤكد الواقع العملي الحالي الذي تعيشه دول المجلس أن المرأة ستقوم بدور أكثر فاعلية في المشاركة في القضايا الأساسية للمجتمع، يدعمها في ذلك العديد من الحوافز التي قررتها لها التشريعات والقوانين والقرارات التي أصدرتها القيادات السياسية، حيث تم فتح المجال أمام المرأة للعمل في كافة المجالات، وأصبحت المرأة تتبوأ مناصب رفيعة مثل وزيرة وسفيرة وقاضية وعضو في مجالس الشورى والبرلمان، وتشارك في العمل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وشهدت التشريعات القانونية الخليجية المتعلقة بالمرأة الكثير من التطورات خلال العقدين الماضيين، حيث تنص الدساتير أو النظم الأساسية الخليجية على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ومن ذلك ما نصت عليه المادة (29) من الدستور الكويتي الصادر في 11 نوفمبر 1962 م، والتي تساوي بين حقوق المرأة والرجل. كذلك المادة الأولى (الفقرة ه) من الدستور البحريني الصادر عام 2002 التي نصت على أن (للمواطنين حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بدءا بحق الانتخاب، وذلك وفقا لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبنيها القانون). وفي عام 2008 صادق مجلس الشورى السعودي على الفقرة (ب) من المادة السادسة الصادرة عن (المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية)، بشأن علاقة الاستخدام بين صاحب العمل والعامل، التي تنص على (تجسيد مبدأ المساواة المطلقة بين المرأة والرجل في الدساتير والقوانين والتشريعات في المملكة، وعدم التمييز العنصري ضد المرأة). كما انضمت دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة. وفيما يتعلق بالتشريعات الخاصة بعمل المرأة، فقد أفردت قوانين العمل في القطاع الأهلي أبوابا مستقلة في تشغيل النساء، حيث استجابت للعديد من اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية التي تكفل حق المرأة في العمل والحقوق والواجبات، كما أفرد القانون بعض الحقوق للمرأة لمساعدتها على التوفيق بين واجباتها الأسرية ومسئوليات العمل. وقد ساوى قانون العمل بين الرجل والمرأة في التعريف، وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات دون تمييز على أساس الجنس، حيث نص قانون العمل البحريني لعام 1976 على انه يقصد بلفظ عامل "كل ذكر أو أنثى يعمل لقاء أجر، أيا كان نوعه لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه"، كما أورد القانون في الباب التاسع نصوصا تتعلق بتنظيم تشغيل النساء في المهن المختلفة وفي الليل. كما تتبنى دول المجلس مبدأ المساواة بين الجنسين في التعليم، بمعنى إتاحة الفرص المتساوية لكل من المرأة والرجل لإتمام تعليمهما واختيار التخصص العلمي الذي يتناسب ورغبتهما. والتعليم هو الركيزة الأساسية بعد التشريعات لضمان تمكين المرأة اقتصاديا. وفي المجتمعات الخليجية بدأت السياسة التعليمية بداية مبكرة، ففي الكويت كانت البداية عام 1912 وفي البحرين عام 1919، تلتها قطر في فترة الخمسينيات من القرن الماضي ثم السعودية عام 1960 وعمان عام 1970. وتؤكد الإحصائيات أن المرأة الخليجية من حيث المستوى التعليمي بدأت تقترب من الرجل في الكثير من الحالات، وتتفوق عليه في حالات أخرى خلال السنوات الأخيرة. ففي الكويت تشكل النساء ثلثي الطلبة الجامعيين الكويتيين. وفي البحرين تمثل نسبة الطالبات نحو 51 في المائة. وفي السعودية وبعد أن كانت هناك كلية جامعية واحدة فيها 80 طالبة عام 1970، وصل عدد مدارس البنات إلى ما يزيد على 13 ألف مدرسة ومعهد للبنات و102 كلية تدرس فيها 400 ألف طالبة جامعية عام 2012. أما فيما يخص مشاركة المرأة في سوق العمل، فإن عدد سكان دول مجلس التعاون يقدر بنحو 40 مليون نسمة وفقاً لإحصائيات عام 2012، كما تقدر نسبة الإناث بنحو 42 في المائة من جملة السكان. وبالنسبة إلى معدل مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي، فقد ازداد من 14.2 في المائة عام 2000 إلى 27.3 في المائة عام 2004، ثم نحو 31 في المائة عام 2012، على أن هذه المساهمة لا تزال منخفضة نسبياً بل تعد من أقل النسب في العالم، وهو ما يعتبره محللون له تأثيرات سلبية على برامج التنمية الاقتصادية ورفع انتاجية الاقتصاديات الخليجية. ولكي يتم توسيع مشاركة المرأة في سوق العمل، بات من المهم إزالة عدد من المعوقات والتي من بينها التشريعات والقوانين لتشجيع عمل المرأة وفرص التأهيل والتدريب. كما يرجع جانب مهم من المعوقات إلى التقاليد الاجتماعية السائدة التي تؤثر على قبول المجتمع بزيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة. كذلك على وسائل الإعلام المختلفة دور مهم في إحداث هذا التغيير المهم والمطلوب. كذلك على رجال الدين والقانون دور في مراجعة قانون الأحوال الشخصية وإعادة النظر في البنود التي تكرس التمييز ضد المرأة، بما يكفل مشاركتها ومواطنتها الكاملة، وبما يضمن حقوقها المدنية والاجتماعية والسياسية التي أقرها الدين للمرأة. إضافة إلى ذلك يجب تشجيع البحوث والدراسات المختلفة وإنشاء قواعد بيانات شاملة حول قضايا المرأة في كل دولة لتوفير المعلومات المساندة للتخطيط للنهوض بالمرأة الخليجية. كذلك الاهتمام بتمويل المشروعات الإنتاجية الصغيرة الخاصة بالمرأة لتحسين أوضاعها الأسرية والاهتمام بالبرامج والمشاريع التي يمكن أن تعمل بها المرأة، مثل مشاريع الأسر المنتجة ودورات تدريبية في الخياطة والتطريز والتجميل ومجال رياض الأطفال وغيرها. كما يتوجب تعزيز دور المرأة في سوق العمل من خلال تطبيق معايير التنمية البشرية المستدامة المتمثلة في برامج تأهيل وتدريب مهارات المرأة العاملة وإكسابها المهارات بما يتواكب مع متطلبات العصر الحديث، وتوفير الاستقرار النفسي والصحي والاجتماعي لها في مجال العمل، بما يسهم في زيادة معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل الخليجي.