تضطر المرأة للعمل في ميادين مختلفة، رغم أن الدين الإسلامي الحنيف يأمر بتكاتف المجتمع لمساعدة النساء، وتوفير حياة كريمة لهنّ، وهي مسؤولية الجميع، بدءًا من الأب، مروراً بالزوج، وصولاً إلى الجهات خارج إطار العائلة، كالدولة والمراكز الخيرية. ومع ذلك، تضطر المرأة - تحت وقع العديد من المشكلات الاجتماعية، والاقتصادية - الى أن تبحث عن لقمة عيشها تجنيها بعرق جبينها، فتتكفل بالصرف على نفسها، وربما على أولادها، أو أسرتها، أو والديها. الكثير من النساء يحتجن للعمل، ومع ارتفاع تكاليف المعيشة، وطمع أصحاب العقارات، وجشع التجار، وغياب الرقابة في بعض الأحيان، تزيد حاجة المرأة، وربما الفتاة، للعمل، ودخول ميادين لا تليق بخصوصية المرأة، وأنوثتها، وطبيعتها، وربما نفسيتها أيضاً. ومع كل أسف، باتت الأبواب تفتح، والقرارات تضغط تجاه دفع المرأة للعمل في ميادين أقل تقديراً لها، وأقل احتراماً لخصوصيتها، ويبدو أن البعض يحاول تطبيق التجارب الغربية التي باتت تعامل المرأة كالرجل في العمل، وضغطه، وتعسفه، وإزعاجه، واختلاطه. وبين الحين والآخر، يقع بعض الأحداث التي تدق ناقوس الخطر، وتنبه إلى أن ثمة خطأ يحدث، يحتاج إلى إعادة ترتيب الأوراق من جديد، يضمن للمرأة كيانها، وخصوصيتها. وربما ما يمكن أن يعد آخر حادثة من هذا النوع خلال كتابة هذه المادة، هو قرار المحكمة في المدينةالمنورة، جلد ممرضتين في أحد المراكز الصحية، بواقع 50 جلدة لكل منهما، بسبب تلفظهما على رجل. مع احترامنا للقضاء، وتأكيداً على أن القاضي أدرى بالحكم الذي يصدره، لكن ثمة ملاحظات يمكن تسجيلها على هذا الخبر، وهي: «تنتظر ممرضتان تنفيذ حكم بالجلد مائة جلدة، بعد إقرارهما بالتلفظ على أحد مراجعي المركز الصحي الذي تعملان به. وقضت المحكمة العامة في المدينةالمنورة بجلد الممرضتين بواقع 50 جلدة لكل منهما، في قضية رفعها أحد مراجعي المركز الصحي الذي تعملان به، ادعى فيها أنه تعرض لمعاملة غير لائقة من الممرضتين، رافقها تلفظهما عليه. وتعود وقائع القضية إلى اليوم الذي توجه فيه مريض ثلاثيني للمركز الطبي الذي تعمل به شقيقته، لإجراء فحوص طبية، فدخل في نقاش حاد مع ممرضتين من العاملات به. معتبراً أن الخلاف حدث بسبب تلفظ الممرضتين بألفاظ غير لائقة تجاه شقيقته! الأمر الذي دفع المريض لرفع دعوى قضائية بالمحكمة العامة في المدينةالمنورة. وبعد ذلك عاودت الممرضتان التلفظ بألفاظ لا تليق على المريض بعد خروجهما من المجلس الشرعي بالمحكمة، ما دعاه لإحضار شهود العيان لإثبات شهادتهما أمام قاضي الجلسة، وهو ما تم بالفعل. حيث أقرّت الممرضتان بأنهما تلفظتا على المريض ثانيةً، ليحكم القاضي بجلد كل واحدة منهما 50 جلدة، وأخذ تعهد عليهما بعدم التعرض للمراجع أو شقيقته. هنا ينتهي الخبر، لكن يبقى السؤال: ما الذي يجبر ممرضات على مخالطة رجل داخل أحد المراكز الصحية؟ أليس الأولى أن تكون هناك مراكز صحية نسائية مخصصة للنساء فقط، ومراكز صحية رجالية مخصصة للرجال. وطالما أن الممرضات والممرضين متوافرون، والمراكز الصحية المنفصلة موجودة، فلماذا يسمح للرجال بدخول مراكز صحية للنساء، لتصل الأمور بينهم إلى الشتيمة والتلفظ؟ المرأة لها خصوصيتها، وهذه حقيقة، فلديها بعض الأيام في الشهر تؤثر فيها الدورة الشهرية على نفسيتها، ويؤمر الزوج بأن يراعيها، وينصرف حتى عن المعاشرة الزوجية معها، وقد تلتزم الفراش، فكيف بها وهي تضطر لمخالطة الرجال في جميع أيام الشهر تقريباً. والكثير من الأمور النفسية تخالط المرأة، وتعتلج في صدرها، وهي ليست أبداً كالرجل في قدرة التحمل، والصبر على التعامل مع الناس، وتحمل مشاق وجهد العمل في ظل الاختلاط، فكيف يمكن أن ترمى للعمل دون تقدير لمثل هذه الأمور؟ نحتاج إلى مراجعة لواقع عمل المرأة، وفق ما أمرنا به ديننا الحنيف، فمن خلق العباد هو أدرى بالمخلوقين، وليس من المعقول إهمال هذه الأوامر، والالتفات لما تفرضه المنظمات الغربية، أو حتى لما يفرضه الواقع الاقتصادي. الحلول الخاصة بعمل المرأة يجب أن تبدأ من المرأة، لا أن تنتهي عندها.