عندما تواجه الأوطان والأمم والشعوب الأزمات وهي من طبائع الدنيا وتحولاتها يظل هناك مكنونات في الداخل وبواعث نفسية تعجل بالتوفيق وتصنع خارطة الأمل والقوة والتمكين ومن أهمها رأس المال المعنوي وهو قوة معنوية ونفسية باعثة على القوة والنصر والتقدم والصمود. فترى فيها زيادة عميقة في الثقة بالله وبعدها الثقة بالنفس وبالقدرات الداخلية وقدرات المجتمع إذا تكاتف على أن يصنع المعجزات والعجائب ولهذا كثيراً ما كان العلماء والخبراء الذي اهتموا بالنهوض بأوطانهم ومجتمعاتهم يرددون: أن الأمم تتقدم وتبلغ ما تبلغ إذا توافقت الرغبة الشعبية مع الرغبة الرسمية وأن هذين الترسين لابد أن يعملا بشكل متناغم ليكون هناك منعة داخلية وتقدم وتنمية وقوة خارجية ونفوذ وحضور ووهج. لقد اهتم القادة عبر التاريخ برأس المال المعنوي وراهنوا عليه لأنه طاقة خلاقة لكل نجاح وتفوق على جميع المستويات فعندما ترى الهزيمة النفسية فاعلم أن هذه الأمة أمة بلغت منها الخلافات والصراعات والثغرات والمصالح الضيقة مبلغاً عظيماً وعلى العكس فإذا وحدت الصفوف وتم استيعاب الاختلافات وتوظيف الطاقات واستثمار خبرة الكبير وطاقة الشاب بدأت النتائج تقطف والانجازات تتوالى. إن رأس المال المعنوي سواء في الحرب أو السلم لا يبنى إلا على أساس عقدي فكري عميق وصدق رسالة يؤمن بها أفراد ذلك الوطن أو هذه الأمة, فالجيش العقائدي صعب هزيمته والإنسان المؤثر الذي ينطلق من أساس فكري عميق وإيمان بالغ رايته الإخلاص والتفاني لا يُقهر ولذلك علمنا التاريخ أن الجيوش التي تستأجر جنوداً مقابل المال هي أقرب للهزيمة وأن السياسي أو الإعلامي أو المسؤول أو الداعية الذي لا يؤمن بقضيته فهو لا محالة ساقط وإن طال بروزه وظهوره فهو متشبث في المشهد لكنه لم يتمكن منه, وهذا يذكرنا بالمثل العربي الشهير «النائحة الثكلى ليست كالمستأجرة». وهذه الفترة التي تعيشها المملكة والعالم العربي والإسلامي وفيها هذا الارتفاع الكبير لرأس المال المعنوي والطاقة الخلاقة التي بطبيعة الحال تنتظر قيام مشروع وحُلم ورؤية يجتمع عليها الناس ويعملون من أجلها. في حروب الرسول عليه الصلاة والسلام كانت الجيوش الإسلامية الأقل عدداً ولكنها هي الأقوى روحاً وإيماناً وعقيدة ونجحت وانتصرت وتفوقت بفضل الله ثم فعل الأسباب وبعد حصار الأحزاب للمدينة لتصفية أهلها والقضاء على رسالتهم ونبيهم أصبح الإسلام الدين الأول في العالم, وهذا يُصدقه الواقع الذي يؤكد أن لكل إنسان مخلص مخرج وبشارة ولكل وطن جاد قوة وأمان ورفعة ولكل أمة متوحدة جدوى ونتيجة وانجاز. إننا في أيام أضحى فيها الإنسان يحُلم ويستبشر بأن يجمع بين فخره بماضيه الجميل وبحاضره العزيز ومستقبله الناهض والعظيم, وذلك ليس على الله ببعيد ولا على المخلصين من خلقه.