رأيت قلمي ينحني استحياءً في نثر حروف تصف قامة شامخة بالعطاء، والإخلاص، والصدق. تصف رجلا استثنائيا عصاميا؛ بنى سيرته بعزم من الله وإصرار وكفاح متواصل، وشقّ طريقا مورَّداً بالنجاح والتقدم. وحين أتحدث عن أفذاذ الرجال يبرز من بينهم رمز متألق! تبدو في تعابير وجهه سيماء الكفاح، وتأتي من منطوق لسانه حكمة وعلمٌ وحديثٌ شيق لا تمل سماعه. أستاذي وأبي العزيز أبو فرحان.. تلك الروح المتوقّدة نشاطاً والتي لم تعرف الكلل والملل يوما..؛ بل كان متفانيا في خدمة وطنه ومجتمعه وبيئته الأسرية. أبو فرحان.. هذا الاسم الذي وضع بصماته على صفحات جريدة «اليوم» منذ بداية صدور عددها الأول. ما يقارب نصف قرن من الزمن، قضاها في تطوير بنيان صفحاتها.. حتى ازدانت وتألقت ونمت بأخبار ومقالات وكتّاب متميزين.. يشهدون لهذا الرجل إخلاصه وحسن سيرته. وإن تحدثت عن أبي فرحان في بيته وأسرته؛ فالقول فيه قليل! ولله درّه من أب مربّ نلتمس منه شفافية الروح الرحيمة، والحنان المتدفق. سيلٌ لا ينضب.. ترى ابتسامته ومرحه مع الصغير يُظهره في حروفه ورقة عاطفته.. فضلاً عن احترامه وتقديره للكبير منا.. ولا عجب وهو الذي بنى وداً.. وزرع خلقاً.. بطيب حديثه والذي لا يخلو من تجارب الحياة وكفاحها، وهي التي أورثته شموخ الرجال وعظمتها. ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبّبُ كنت ألتمس في شفافية حديثه معنى وأدباً وجملاً منتقاة! وفي صمته.. ألتمس تأملاً لمعنى: أن يكون للصمت حكمة.. فكأنك تستمع لحروف ذهبية. وهو غارق في الصمت، لقد تعلمت منه الصبر في جلد.. وكيف تُبنى النفس على مكارم الأخلاق وعلوها.. وأكثر ما كان يأسرني في شخصه: تعامله الإنساني وتفاؤله بقوة إيمان وإرادة أقوى. وإن كان للوفاء عنوان.. فأستاذي القدير.. كان عنوانا للوفاء مع أصدقائه ومحبيه، يسأل عنهم ويتفقدهم، ويواسيهم، ويظهر محبته لهم بإيثارهم على نفسه بحب.. مما أكسبه المكانة العظيمة في أوساط الناس الطيبين بحسن صدقه وبجمال خُلقه الذي انتشر كشذا عطر بعبقٍ تاريخي أمضاه من نجاح إلى نجاح.. حتى أصبح مثالاً رائعاً تدوّنُ سيرتُه في سجل سلالة الأمجاد ممن بنوا أنفسهم بجد واجتهاد. وها قد انقضت الأوقات ومضت السنون ليحل ضيفا عزيزا.. يكرّم من لدن أهله ومحبيه. متمنين له طول عمر في صحة وإيمان وحسن عمل.. .. هذا ما جاد به القلم.. وصاحب المقام.. أعظم من أن تحوطه سطور.. وحسبي أني كتبتها بصدق.