قبل الدخول في حوار مع أي شخص وفي أي قضية من القضايا يحتاج الإنسان أن يباشر حواره مع الآخرين بنفسية معينة تختلف عن تلك النفسية التي نخوض بها حواراتنا ونقاشاتنا في الغالب، فثمة صفات قلبية من المهم أن نتحلى بها لنستفيد من نقاشاتنا مع الآخرين بحيث لا تدور حواراتنا في حلقة مفرغة ووقت طويل لا ينتج عنه سوى المزيد من الشحناء والأحقاد أو ضياع الأوقات دون فائدة يحصلّها المتحاوران. وأول هذه الصفات القلبية أن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه في طلب الحق ولو كان عند مخالفه، وهذا يتطلب شعور الإنسان بالافتقار إلى ربه في الوصول إلى الحق واللجوء إلى الله بالدعاء بأن يوفق لإصابة الحق وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يسأل الله أن يوفقه لإصابة الحق فيما يختلف الناس فيه فيقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ جبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ. فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». وفرق كبير بين رجل يدخل الحوار وهو صادق مع نفسه في الوصول للحق ورجل آخر قد وضع نتيجة مسبقة في ذهنه وقد قرر ألا يتنازل عنها بأي حال من الأحوال. وثاني هذه الصفات القلبية قبل الدخول في الحوار أن يكون في نيته الاستفادة ممن يحاوره، فمن الخطأ أن تبدأ الحوار بنفسية، لسان حالها «أنا سأعلمك.. وأفهمك» من دون أن تضع في حسبانك أن الطرف الآخر ربما كان لديه علم أو فائدة أو رأي تستفيد منه وقد يكون أصوب من رأيك، وأما إن دخلت الحوار وقد وضعت في حسبانك أنك المعلم الذي يعطي ولا يأخذ ويُفيد ولا يستفيد فهنا قد تكون قد وقعت في خطأ سيحرمك الكثير، وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع من الجميع حتى من أشد الناس عداوة وهم اليهود فعن قُتَيْلَةَ بنت صَيْفِيٍّ الْجُهَنِيَّةِ قالت: أتى حبرٌ منَ الأحبار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد، نِعْمَ القومُ أنتم، لولا أنّكم تُشرِكُونَ، قال: «سبحان الله، وما ذاك؟»، قال: تقولون إذا حلفتم والكعبةِ، قالت: فأمهلَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم شيئًا ثمّ قال: «إنّه قد قال، فمن حلف فليحلِفْ بربِّ الكعبة»، ثمّ قال: يا محمَد، نِعْمَ القومُ أنتم، لولا أنّكم تجعلونَ للّه ندًّا، قال: «سبحان الله، وما ذاك؟»، قال: تقولون ما شاء اللهُ وشئتَ، قال: فأمهلَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم شيئًا ثمّ قال: «إنّه قد قال، فمن قال ما شاءَ اللهُ فليفصِلْ بينهما ثمّ شئتَ». نخلص من هذا لنؤكد أن ثمة نفسية مختلفة لها خصائصها وصفاتها ينبغي أن نتصف بها قبل الدخول في أي عملية حوار فإذا كان الإنسان صادقاً في الاستفادة من الحوار ودخل بعقلية ناضجة بحيث يحرص فيها على إبداء وجهة نظره كما يحرص في الوقت ذاته على تحصيل الفائدة من الطرف الآخر في الحوار فإنه بذلك يكون قد سلك الطريق الصحيح لحوار بنّاء وهادف.