من تأمل الزارع وهو يضع البذرة أو الشتلة على الأرض ويعرضها للهواء والشمس، ويسمدها ويلاحظها أياماً أو أشهراً أو سنيناً، ويجلس ينتظرها كل هذه الأوقات لتظهر أول ثمارها الصغيرة، غير مستعجل لنتاجها! كذلك الحياة التي يعيشها الإنسان، بأعمالها وآمالها بتعليمها ودعوتها وتربيتها، ولاسيما التعامل مع الإنسان وصناعة شخصيته، فبناؤه -بعد المعرفة والعلم- يحتاج وقتاً، ولذلك أطال الله طفولة الإنسان ليحسن البناء، ويلاحظ ذلك كيف نزل القرآن منجماً، مفرقاً، حسب الحوادث والمواقف خلال 23 عاماً؛ لأن فيه صناعة أمة، ولذلك أكد القرآن للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولا تستعجل لهم، نعم الإنسان من طبيعته العجلة ومحبة رؤية النتائج: "خلق الإنسان من عجل"! إنّ طبيعة الحياة، وتربية الإنسان، تحتاج للتوازن والأخذ بالاعتبار عامل الوقت، والأمر هنا يحتاج للتأكد من تحديد الهدف، وصحة الطريق، وبعد ذلك يسير الإنسان وفق علم صحيح، وما عليه من طول الطريق أو صعوبته أو تأخر النتائج، وكثيراً ما أكد القرآن على ذلك: "إن عليك إلا البلاغ"، ليهتم المربي والداعي والمسؤول بجودة العمل والنية والسلوك لديه، أما النتائج فتظهر لاحقا كما تبدو الثمار بعد أخذ دورتها. وهذا المفهوم بدأ يعمقه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أتى خباب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟، قال -صلى الله عليه وسلم-: كان الرجل فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" البخاري. والنهي عن العجلة تشمل: العجلة في القرارات والأحكام والنتائج، ولذا يشهر عند العرب قولهم: "دعوا الأمر يَغِبَّ"، أي دعوا رأيكم تأتي عليه ليلة، وقالوا: وإياكم والرأيَ الفطيرَ، أي "العجل السريع". فالعجلة تحرم الإنسان التركيز، وتفقده حسن العمل، وطيب العلاقات، وكم من عمل جليل، ومهمات كبيرة، حرم الإنسان ثمرتها وبركتها بسبب الاستعجال، وكما قيل: من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه! ولو تأنى نالَ ما تمنَّى وعاشَ طولَ عُمرِهِ مُهَنَّا لكلِّ شيءٍ في الحياة وقتهُ وغاية ُ المستعجلين فوته! وهذا لا ينافي المبادرة والمسارعة في الخيرات، فهذا استثمار للوقت بأعمال مرتبة مدروسة، والحكيم من يضع كل شيء في مكانه، وهذه دعوة لكل فرد، وفي كل مشروع، التؤدة التؤدة في أعمال الحياة؛ فالكون الذي أمامك يسير بتوازن وهدوء، والجسم والروح اللذان يكوِّنانك بُنيا بأشهر مديدة، حتى تكبر وتصبح شجرة مثمرة!. أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي بجامعة القصيم