حمل الأسبوع الماضي قرارات وتغييرات عديدة صدرت عن المقام السامي، يمكن أن نصف بعضها بأنه بمثابة عنوان للمرحلة المقبلة، والتي بدأت في تمكين الشباب شيئا فشيئا من تقلد المناصب العليا المؤثرة، وفي نظري فإن القرار الأكثر أهمية على الصعيد المحلي هو دمج وزارتي التعليم العام والعالي. ومع أن الوزارة الجديدة ستضم أغلب الموظفين الحكوميين، وسيتحمل الوزير الجديد الدكتور عزام الدخيل الكثير من الأعباء في سبيل النظر في اتجاهين تعليمي عام وأكاديمي بما يدفع من الأول ولا يقزم الثاني، ويحقق الهدف المنشود في تحقيق معايرة عادلة مبنية على الواقع التعليمي المتدني الذي تعيشه الدولة في سباق العالم نحو التفرد العلمي. وطالما وصلنا للأهداف فإن ما بين الوزارتين السابقتين تباين في الرؤية والأهداف التعليمية، وصل إلى حد أن وزارة التعليم العالي - سابقاً - امتنعت عن قبول الطلبة في الجامعات بناءً على درجاتهم العلمية، والتي تشرف على وضع أسئلتها وتصحيحها وزارة التربية والتعليم، وأعطت نسبة كبيرة من معيار القبول للاختبار التحصيلي واختبار القدرات. لكن هل كان تعليمنا العالي على حق؟ لا يوجد شك في أن التعليم العام السعودي يعاني مشكلات كبيرة تبدأ من المادة التعليمية ولا تنتهي عند المعلم، لكن الأهم من ذلك هو أن التربية والتعليم افتقرت إلى النظام الفعّال فأسلوب التقييم المبني على الأقدمية، وغياب الحوافز لا يمكن بأي شكل كان أن ينتج بيئة تعليمية ترقى إلى الحد الأدنى من الآمال. الإدارة المدرسية والمعلم إذا ما افتقدا إلى الطموح والدافعية، فمن البديهي أن تصبح المخرجات التعليمية أقل طموحاً وبلا دافعية، وحينما أسمع تمتمات المعلمين وآهات المديرين وذكريات المتقاعدين لا أشك أبداً في أن القلة النادرة التي تميزت وبادرت وشجعت طلبتها يستحقون التصفيق، لأنهم سجلوا أنفسهم استثناءً من القاعدة الشهيرة (فاقد الشيء لا يعطيه). نتيجةً لذلك أقدّر قرار التعليم العالي - خلال السنوات الماضية - في خفض الاعتماد على درجات التعليم العام في قبول الطلاب، وإن كانت بمثابة شهادة على عدم التوافق بين الوزارتين التعليميتين، وقبل أيام من إعلان قرار الدمج كانت دراسة في مدينة الطائف أظهرت أن نتائج الاختبارات التحصيلية جاءت معاكسة لنتائج الثانويات العامة والأهلية. وبمعنى أن كثيرا من الثانويات الأهلية خرّجت طلاباً وطالبات بدرجات عالية، ثم حصلوا على درجة متدنية في التحصيلي، بينما جاءت مخرجات الثانويات الحكومية أقل من حيث الدرجات في اختبارات التربية والتعليم وأكثر في اختبارات التعليم العالي (التحصيلي)..! هذا التباين الذي يعكس عدم انسجام المعايير بين الوزارتين أحد أكبر المبررات للتفاؤل بمستقل دمج الوزارتين في وزارة واحدة، وفي نفس الوقت سيكون أحد التحديات التي سيجدها الوزير الجديد على طاولته، فمن غير المنطقي أن تخرّج الوزارة طلاباً بدرجات معينة ثم تختبرهم ذات الوزارة تحصيلياً. وبدلاً من ذلك فإن الوزارة الجديدة ستكون مطالبة بضرورة التعامل مع السبب الحقيقي الذي أفقد 24 اختباراً تراكمياً أجراه الطالب خلال 12 عاماً قضاها في المدارس، للمصداقية أو لنقل للمعيارية اللازمة لاعتمادها مرجعاً للقبول في الجامعات السعودية. في المقابل فإن التعليم العالي والذي لم يستطع خلال السنوات الأخيرة أن يقدم للعالم جامعة سعودية ضمن أفضل 300 أو 400 جامعة، برغم الميزانيات السنوية الكبيرة التي تتحصل عليها الجامعات السعودية والتي لربما تحسدها عليها كثير من جامعات العالم التي تتواجد بقوة في أعلى التصنيفات العالمية. وبالرغم من هذه المبالغ الكبيرة التي تذهب في أعمال الإنشاءات والمباني ظلّ المعلم الأكاديمي السعودي الذي يعتبر أساس العملية التعليمية وتقدم الجامعات، يتقاضى رواتب من أقل الرواتب الأكاديمية في العالم إذا ما قيست بمتوسطات الدخل، وهو ما جعل الأستاذ الجامعي لا يفكر في التطوير والبحوث. ولعل سياسة الاعتماد الأكاديمي التي تنتهجها الدول الغربية المتقدمة محورية في تطوير الأقسام العلمية في الجامعات وخلق التنافس بينها، خاصة مع الجامعات الأهلية التي تمثل تحدياً آخر لا يقل عمّا سبق. * عضو مجلس إدارة آفاق الإعلامية – كاتب ومستشار إعلامي