يأتي الاعتداء الذي تعرض له قبل أيام معدودة أحد المعلمين في محافظة الأحساء، بالضرب والطعن بالسلاح الأبيض، على يد أحد أولياء أمور الطلاب؛ ليقدم برهاناً جديداً على المعاناة التي يحياها المعلمون، وما يتعرضون له من مضايقات من بعض الطلاب تارة ومن أولياء أمورهم تارةً أخرى. وصلت إحداها على الأقل إلى درجة القتل، كما حصل مع أحد المعلمين في منطقة جازان في العام الدراسي الماضي، وكذلك تكسير سيارات المعلمين ومديري المدارس، وإتلاف كفراتها أو رشقها بالحجارة في بعض الأحيان. وهي أمور تضاف إلى أنواع أخرى من المتاعب التي يعانيها المعلمون، ومنها: بعد مسافة المدارس تارة، والتعيين في مناطق بعيدة عن مكان إقامة الأسرة تارة أخرى. وفي كل مرة يتعرض فيها معلم إلى اعتداء، تتعالى أصوات الاستنكار، ويكتب بعضنا مقالات عن الموضوع، وتصدر العلاقات العامة في الجهات ذات العلاقة التصريحات التي تؤكد الحرص على حماية المعلمين، وصيانة حقوقهم وكرامتهم. وما هي إلا أيام قليلة حتى ينفض السامر، وننسى الموضوع في انتظار اعتداء آخر. لقد كان لاتصال صاحب السمو الملكي وزير التربية والتعليم بالمعلم «المعتدى عليه»، وتأكيد سموه حرص الوزارة على حماية المعلمين، وعدم نفاذ المعتدي من العقاب؛ كان له وقع إيجابي كبير، ليس في نفس المعلم الذي تعرض للاعتداء فقط، بل في نفوس سائر المعلمين، الذين رأوا في اتصال سموه ومتابعته بعداً أبوياً، قلل من عمق جراح كرامة المعلمين جميعاً. كما أن اهتمام المحافظة وإدارة التربية والتعليم والجهات الأمنية بالموضوع، ومتابعته، هي كلها جهود مشكورة، ولا شك في إخلاصها. لكن تكرر هذه الاعتداءات مع ذلك، يتطلب عقوبات صارمة، يتم تنفيذها دون تأخير، ويتم الإعلان عنها وإقرارها من الجهات المختصة، بحيث تكون رادعاً لكل من يفكر في ارتكاب مثل هذا العمل؛ حتى لا يظل الأمر محلاً للاجتهاد والصواب والخطأ من جهة، وحتى يكون لدى الجهات التنفيذية من الصلاحيات الواضحة التي تستطيع بموجبها إيقاع العقوبات المناسبة على المعتدي، في مثل هذه الحالات، دون تأجيل أو انتظار من جهة أخرى. صحيح أن القرارات التي تتضمن عقوبات على بعض الطلاب، الذين يكونون طرفاً في مثل هذه القضايا، يكون اتخاذها صعباً ومؤلماً حتى على صاحب القرار؛ إلا أن مثل هذه القرارات لا بد منها، ليس إصلاحاً لمن يرتكب الخطأ فقط، بل موعظة لكل من تحدثه نفسه بالاعتداء على المعلمين باليد أو اللسان أو إيذائهم في سياراتهم وممتلكاتهم أو غيرها من سبل الإيذاء المادي أو المعنوي. وحينما يكون الاعتداء من ولي أمر «بالغ عاقل» من المفروض أنه يعرف قدر المعلم ودوره، ويعرف أيضاً أنه إذا كان له أو لولده حق، فإنه يمكنه الحصول عليه باللجوء إلى أية جهة مسؤولة، سواء كانت وزارة التربية والتعليم، أو الحاكم الإداري، أو الجهات الأمنية، بل وحتى القضاء الشرعي، وفي جميع الحالات فإن حقه يبقى مصوناً ولا يضيع إلا في حالة واحدة هي عندما يلجأ لأخذ القانون بيده، فيصبح مداناً بدل أن يكون صاحب حق؛ لذلك كله فإن مواجهة مثل هذه القضية ينبغي ألا تنتهي عند الاستنكار والتصريحات الصحفية، ولا المجاملات للضحية مدة قصيرة ثم تطوى صفحة القضية في انتظار التي تليها، لتعود صيحات الشجب والاستنكار مرة أخرى. والأمل معقود بعد الله -سبحانه وتعالى-، على حكمة سمو وزير التربية والتعليم، وحرصه ورعايته لجميع الأطراف؛ لاتخاذ القرارات الحاسمة والمناسبة، والتي تضع حداً لمثل هذه الأعمال. وقبل ذلك كله، العمل على أن تكون المدرسة مكاناً يأمن فيه الطلاب على أنفسهم، ويأمن فيه المعلمون على أنفسهم وممتلكاتهم كذلك، حتى ينصرف الجميع لتحقيق الأهداف السامية للعملية التعليمية بأسرها، وفي مقدمتها: إحداث التغيير الإيجابي في سلوك أفراد المجتمع، وصولاً إلى مجتمع العدل والمعرفة والرفاه -بإذن الله-. * أكاديمي وباحث تربوي واجتماعي