واقعة الهجوم الذي شنه إرهابيون بمركز سويف الحدودي في الحدود الشمالية منحنا أكثر من شهادة أبطال الحد الشمالي، فقد قدّم لنا درسا في التضحية والفداء وأظهر مزيدا من قبح الفكر الإرهابي الذي يغدر ويعمل في الظلام، ويهدد أمن الوطن والمواطنين ويثبت ألا علاقة له بالدين وسلامه ومقاصده التي يشوهها هؤلاء بقتل أنفسهم وقتل الآمنين. وفي الواقع يظل السلوك الإرهابي كامنا في إطار حالة فكرية سلبية ومنبوذة يؤمن بها ويعتقد بصحتها أولئك الذين لا يحسنون صنعا في جميع أمرهم. في تقديري أنه ينبغي أن نتعامل مع معطيات الحادثة الإرهابية في إطار فكري يتدبر النتائج التي ترتبت عليها بمنظور يسمح بأن نهنئ شهداء الواجب بالشهادة وهي إحدى الحسنيين في السياق الديني، طالما أن دوافع أولئك الإرهابيين دينية، لكن معطوبة وغير سوية، وفي كل الحوادث الإرهابية كان الضرر الناتج عظيما ويتعدّى ارتكاب جريمة بدوافع ظرفية، قد نلتمس حافزا شيطانيا فيها، غير أنه في الحالة الإرهابية يتحول الفرد الإرهابي نفسه الى شيطان قادر على فتح الخيال التخريبي الى أوسع مدى تماما كما يرغبه الشيطان في النسخة الأصل، وبالتالي فإن أدوات المكافحة تتطور وفقا للفكرة التدميرية التي ينتجها خيال الإرهابي الذي يتعمد تحقيق أكبر ضرر مما يفعله. لا يرغب المجرم العادي أو النمطي في ارتكاب جريمته دون ثغرة في فطرته الإنسانية، فهو قد يرى - كما يرى مجرم يخضع لدراسة سلوك نفسي - أن "معظم جرائم القتل تمليها الضرورة" لكن الإرهابي يرى أن جرائمه تمليها الجنة، ونحن هنا أمام حافز متوهم بطريقة مسيطرة على عقله وسلوكه ونفسه . فذلك الذي فجر نفسه وتبعثرت أشلاؤه حين قتل أبطالنا يعتقد أنه على أحد مداخل الجنة وأن هناك حورا يتهادين في انتظاره، وتلك فكرة غيبية يفصلها عن أن تكون غبية حرف زائد في الأولى يمتد على مدى سنوات ضوئية من الإظلام والتحجر واللا إنسانية، لذلك فإننا أمام تحديات تتعلق بمخاطبة غيبيات وأوهام تسيطر على المتطرفين وتضعهم قتلى ومقتولين في نفس الوقت في الخريطة الإنسانية والدينية. الاستخلاص الطبيعي من الواقعة أن الإرهاب حالة أمنية وفكرية ذات عمق وامتداد ديني، لا يمكن التعاطي معه في سياق حلول أمنية إلا في المخرجات النهائية. لذلك يجب تطوير أعمال المناصحة المؤسسية وإخضاعها لدراسات سلوك علمية تمزج المنهج العلمي بالديني لأن المرجعية في كل السلوك الإرهابي دينية تحتاج الى تفتيت وفض اشتباك في العقل الإرهابي بين الوسيلة السوية والهدّامة التي تفجر وتقتل بما يتناقض مع الدين الذي تعرض لإضرار كبير وهو يتواضع في عقول هؤلاء الى استخلاص قاتل يترادف مع القتل والدم.