حدد رئيس بعثة الأممالمتحدة في ليبيا برناردينو ليون الخامس من يناير 2015 موعدًا للاجتماع القادم للحوار بين أطراف النزاع الليبي بعد أن حصل على موافقتهم على «خريطة طريق»، بحسب ما أعلنت رئاسة مجلس الأمن الدولي، في حين قال السفير التشادي شريف محمد زيني إثر مشاورات مغلقة للمجلس حول ليبيا: إن خريطة الطريق لتسوية الأزمة «تتمحور حول ثلاث نقاط»، ولم يوضح هذه النقاط، لكنه ألمح إلى أن أحدها يتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية، مشيرًا إلى أنه «سيتم تشكيل حكومة وحدة وطنية من ممثلين عن الطرفين»، فيما يطوي الليبيون العام 2014 على وقع أزمة هي الأسوأ في ذلك البلد منذ إطاحة الجماعات المعارضة بنظام معمر القذافي، فيما لا تلوح انفراجات في الأفق. وبحسب دبلوماسي في المجلس فإن خريطة الطريق تنص على حكومة وحدة وطنية «ووقف لإطلاق النار وانسحاب الميليشيات» ونزع سلاح الفريقين. تدفق الأسلحة إلى ذلك عبر أعضاء المجلس عن «قلقهم الكبير» إزاء تدهور الأمن في ليبيا وطالبوا طرفي النزاع ب«التوقف فورًا عن إطلاق النار والانخراط في مسار الحوار»، بحسب ما أضاف السفير التشادي. كما عبر أعضاء المجلس عن قلقهم «لتدفق الأسلحة من الخارج رغم الحظر الدولي على ليبيا وجددوا التعبير عن «دعمهم التام» لليون وطلبوا منه الاستمرار في وساطته. عام إضافي من الأزمات وكان من المفترض أن تشهد ليبيا في 2014 انتهاء الفترة الانتقالية والانتقال فعليًا إلى وضع سياسي وأمني مستقر، لكن الليبيين يطوون العام على وقع أزمة هي الأسوأ في ذلك البلد منذ إطاحة الجماعات المعارضة بنظام معمر القذافي. وبعد أكثر منذ ثلاث سنوات على سقوط حكم القذافي الذي دام 42 عامًا باتت ليبيا مقسمة بين حكومتين وبرلمانين يتنازعان الشرعية فيما ينزلق البلد في أتون حرب أهلية طاحنة دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج بحسب محللين ومراقبين. ويقول الأستاذ الجامعي سالم النيهوم: «إن الليبيين عندما أسقطوا نظام القذافي كانوا يصبون لأن تصبح بلادهم الغنية بالنفط بمنزلة دبي جديدة، أما اليوم فإن هاجس سيناريو صومالي أو عراقي بات يسيطر عليهم». وحصد القتال الدائر في ليبيا منذ مطلع العام إضافة إلى حالة الفلتان والفوضى أرواح أكثر من ألف شخص على الأقل في مختلف ربوع البلاد بحسب مصادر طبية ومسعفين، فيما تسبب المشهد المتردي بحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في نزوح أكثر من 100 ألف من بيوتهم. ويرى المحلل سليمان المجبري أن «الأخطاء التي أوصلت البلد إلى ما هو فيه الآن على شماعة المؤتمر الوطني العام (البرلمان المنتهية ولايته) بدءًا من عدم إنهائه لولايته مطلع شباط/ فبراير، إضافة إلى عدم إقراره الدستور الدائم للبلد ودعوته لانتخابات دستورية وفق ما تقتضيه مواد الدستور الذي لم يُعد بعد». غياب العقل السياسي أما المحلل السياسي محمد الشريف فقال: «إن الأزمات باتت تعصف بالبلد في ظل غياب العقل السياسي الرشيد الذي من الممكن أن يخلص ليبيا من بركة الوحل الذي علقت فيه»، ورأى أن «الاقتتال الدائر والتنازع على السلطة والحروب القبلية والجهوية والأيديولوجية تثبت فعليًا أنه لا انفراجة قريبة تلوح في الأفق». وبعد رحيل القذافي في 2011 كلفت السلطات الانتقالية الثوار السابقين الذين شاركوا في إسقاط نظامه بضمان الأمن، وشكل هؤلاء عشرات الميليشيات على أسس عقائدية أو قبلية ولم يترددوا في تحدى الدولة عندما تمس مصالحهم ما هدد السلم الأهلي وعملية بناء المؤسسات في البلاد وخصوصًا الجيش والشرطة. وتعتبر بنغازي الأكثر اضطرابًا، بينما تبدو السلطات من جهتها عاجزة حتى الآن أمام تنامي قوة الجماعات المتطرفة، وخاصة في شرقي البلاد الذي شكل مسرحًا لاغتيال عناصر أمنية واعتداءات على مصالح وممثليات دبلوماسية غربية ومحلية. وأمام ضعف الحكومة الانتقالية شن اللواء خليفة حفتر الذي شارك في الثورة على القذافي هجومًا في مايو على الميليشيات متهمًا إياها ب«الإرهاب»، واتهمته السلطات الانتقالية حينها بمحاولة «انقلاب»، لكنها غيرت موقفها لاسيما بعد أن نال تأييد عدة وحدات من الجيش ومواطنين. وفي الوقت نفسه تفرض مجموعة من المليشيات المنحدرة أغلبها من مدينة مصراتة سيطرتها على العاصمة طرابلس منذ أغسطس الماضي تحت اسم «فجر ليبيا». وفي ظل هذا الوضع اضطرت حكومة عبدالله الثني والبرلمان المنتخب في 25 حزيران/ يونيو اللذان تعترف بهما الأسرة الدولية إلى الانتقال إلى طبرق أقصى شرق ليبيا الخاضع لسيطرة قوات حفتر، وسط منازعات سياسية وغياب خارطة طريق واضحة زادت من تسميم الموقف. ويؤيد نواب قاطعوا مجلس النواب «فجر ليبيا» التي شكلت حكومة موازية متعاطفة مع الإسلاميين برئاسة عمر الحاسي وأحيت المؤتمر الوطني العام الذي انتهت ولايته من حيث المبدأ مع انتخاب مجلس نواب جديد في ثاني انتخابات حرة بعد القذافي. وتفاقمت المشكلة مع إعلان المحكمة الدستورية مطلع شهر نوفمبر ببطلان تعديل دستوري أدى لانتخاب البرلمان المعترف به، ما أربك المجتمع ووضع البلاد أمام حكومتين وبرلمانين يتنازعان الشرعية على السلطة. الليبيون منهكون ورأى الأستاذ الجامعي خالد الفلاح «حتى هذا الخطأ الفادح اقترفه البرلمان المنتهية ولايته هو من أقر تعديل الإعلان الدستوري الذي انتخب بموجبه مجلس النواب، وهو من هرول إلى القضاء للطعن في تعديله ليتشبث بالسلطة». ويقول الطبيب الليبي صلاح محمود: «إن الفوضى أنهكت الليبيين والصراعات الجهوية والأيديولوجية والقبلية باتت أدهى من القبضة الأمنية والحكم الديكتاتوري السابق»، وأضاف «لا أرى انفراجة للأزمة على الأقل في العام 2015».