ليست مشكلتنا في أننا لا نعرف ان( لكل مشكله حل) ولكن اشكالياتنا، أننا نبقي انفسنا رهينة لذلك الحل (الوحيد) الذي يحجب عنا التفكير والاستنباط والمحاولة بألا نجرب أكثر من حل.. عادة، ما نتبع الحل المتاح مبدئيا والوقتي وربما الشكلي والبسيط.. ولكن جذور المشكلة تبقى راسخة وتنمو في واقعنا متفرعة وتأتي أقوى مما بدأت.. الفساد.. هو ذلك الشغل الشاغل الذي قض مضاجعنا وآلم قلوبنا وشتت جهودنا واستحوذ على قدراتنا وضيع مقدراتنا.. والسبب ليس لأننا لم نفكر في مواجهته وسن الانظمة والقوانين للحد من استفحال خطره... فمن أجله أُنشئت الهيئات وتكونت المؤسسات وأُقيمت الندوات. ولكن ومع كل ذلك وكما نقول في أمثالنا الشعبية (السارق بذ السلطان) أي تفوق عليه بألاعيبه ومراوغته ومقدرته الملتوية باستغلال الثغرات.. لذلك يجب أن يكون صاحب القرار أقدر وأعرف وأذكى من ذلك السارق الذي يستغل كل الانظمة والتشريعات التي تحارب الفساد.. لكونه يستغلها ويتلاعب بها بفساد!!! ولكن هناك من يقول: إن الكثير من أنظمتنا وقراراتنا وحتى تشريعاتنا، هي السبب في بعض الفساد، لكونها بيروقراطية ومعقدة وضبابية! من أجل ذلك يضطر المتعاملون معها لأن تكون (الواسطة) هي ما يجعلها سهلة في تجاوزها.. فلا غرابة بأن كل المؤتمرات والملتقيات تقول إن من ابرز مشاكلنا الواسطة.. لدرجة أن مصطلح (تعرف أحد) هو الداء العضال، الذي يؤلمنا، ولكننا نطلبه لأنفسنا لنتميز به ويفك العقد التي تواجهنا!! الحلول المتبعة لمواجهة الفساد التي نتبعها في واقعنا للأسف، هي ما جعلته ومن قبل(أربابه) يفسر ويطوع كل الأنظمة والتشريعات من خلال فهمها واستغلال كل الثغرات.. ويتجاوزها.. لأنها ليست صريحة وغير حازمة!! القائمون على ممارسة الفساد لا يخجلون حتى نخجل منهم لذلك لا غضاضة أن نفكر بعقلياتهم!! في محاربة الفساد.. لابد أن تكون الجهود متضافرة ومترابطة ومتكاملة.. ولكن الواقع يقول غير ذلك!! أُقيمت ندوات ومؤتمرات خرجت بتوصيات، ولكن لم يؤخذ بها، وكأن ما كان من فساد يُضاف لغيره!! تلك المؤتمرات بنتائج دراستها الميدانية والاستقصائية والإحصائية خرجت بالكثير والكثير، فأين ما أخذ به وتم العمل على تشريعه منها!! عودوا إلى كل توصيات مؤتمراتنا المختصة بالفساد، والتي أُنفق عليها الكثير من الجهد والوقت والمال وستجدون الإجابة!!.. لم نعد في حاجة أن نعوّل كثيرا على الوازع الديني والوطنية وغيرها من الأحلام والتنظير، مما يشحذ العواطف ويهبط الهمم.. النظام الحاسم والتشهير بالمفسدين والتشريعات العقلانية ومبدأ (من أين لك هذا)!! كل تلك التجاوزات، العقاب الصارم هو من يحميها.. لكائن من كان!! لذا.. يا من اُؤتمنتم على محاربة الفساد، أرجوكم والجميع يتأملون منكم ان يكون الحسم والمتابعة من اجل ان يكون الحسم هو منهجكم، حتى لا يعرف أو يتساءل أبناؤنا عن ماهية وأسباب الفساد الذي يتحدث عنه واقعنا، وإلا سيقولون إن ما كان من كل ما تقومون به كان يشوبه الفساد!!