لو حاورتَ طفلاً ستدخلُ عالمَه الصغير، ولو حاورتَ صاحبَ مهنةٍ ستحاولُ استحضار كل معلوماتِك لتكونَ معه على مستوى الحوارِ المهني، ولو حاورتَ عالمَ دينٍ فلعلك لا تعجز عن مجاراتِه فأنتَ مسلمٌ تعرفُ ربَك ودينَك ونبيَك، ولو حاورتَ مثقفاً أو جاهلاً فستجدُ في: (خاطبُوا الناسَ على قدرِ عقولِهم) معينَاً لك على اختيارِ المفرداتِ المناسبةِ للحوار! ولكن ماذا لو كان الحوارُ مع ملحد؟!! لا تظن أنك إذا أقسمتَ لهُ بوجودِ اللهِ فسوفَ يصدقُك، أو قلتَ له: عندما تقعُ في مأزقٍ تجد نفسك - لا شعورياً - قد رفعتَ رأسَك للفضاءِ فهذا يعني أن هناك إلهاً في السماء، فلا تظن أنك قد غلبتهُ بهذه الحجة، فهذا لن يقنعه، ولن تقنعه أبداً بأن تقولَ له: هل لديك عقل؟ فيجيبُك: نعم، فترد عليه: هل تراه؟ فيجيبك: لا، فتصدمُه بإجابتك: كذلك الله هو موجودٌ ولكنك لا تراه!! هذه الأمثلة وغيرها مما سمعنا وقرأنا عنها كثيراً لن تكون هي المقنعة لمن عاش حياته معتقداً بأن الحياةَ هي المادة فحسب، ومن بعدها موتٌ أبدي، تخيل أن مكاناً (ما) في العالم جمعك مع ملحدٍ وبادرك بقوله: أنتم المؤمنون بكم سذاجة، تنقادون وراءَ أوهامٍ وخيالاتٍ ليست موجودة إلا في أذهانِكم!! عندها ماذا سيكونُ ردةُ فعلك؟ كيف ستخدم دينَك؟ أم أنك ستلوذُ بالصمت؟ (بلغُوا عني ولو آية) هكذا علمنا النبي المصطفى، ليس كلٌ منا يملك تلك القدرةَ اللفظية والحجةَ القوية والثقافةَ المعلوماتية وقوةَ الشخصية، ليفتحَ باباً في الحوارِ يتحققُ معه الأمان فلا تنقلبُ نتائجه عكسيةً (بيكحلها عماها). إن اتساعَ رقعةِ سفرنا في بلادِ اللهِ أصبحت من المسلمات، ومن كانوا لا يخرجون من ديارهم أصبحوا يسيحون في أرضِ اللهِ الواسعة وقد اختلطوا بمختلفِ شعوبِ العالم، ومع الاختلاطِ ينشأُ (حوار الأديان) لذا يتحتمُ علينا معرفة أبسطِ قواعدِ الحوارِ مع الآخر. هناك من الشخصياتِ العظيمةِ التي مرت في تاريخِ الأمةِ الإسلاميةِ من علماء وشيوخ أفاضل، حباهم المولى بصفاتِ "الإقناع بالحجةِ والدلائل" آمنَ ملايينُ البشرِ على أيديهم فقادوُهم من الإلحادِ إلى الإيمان، ولعلَ من أبرزِ هذه الشخصيات د. مصطفى محمود - يرحمُه الله - الذي استطاع أن ينجحَ في إقناعِ ملحدين بوجودِ الله، هذه الشخصية ظاهرةٌ فريدةٌ جمعت بين الأدبِ والطب والفلسفةِ والفكر، فجاءت كتاباتُه واجتهاداتُه شاهداً على عصرِه وعلى زمانِه، في ذاتِ مرة سألهُ ملحد: من خلقَ الخالق؟ من خلقَ الله الذي تتحدثون عنه؟ فأجابه: سؤالُك فاسد، فأنت تسلم بأن اللهَ خالقٌ ثم تقول: من خلقَه؟ فتجعل منه خالقاً ومخلوقاً في نفسِ الجملة وهذا تناقض، اللهُ ظاهرٌ في النظامِ والدقةِ والجمالِ والإحكامِ في كل صغيرة وكبيرة، في ترابطِ النجومِ والكواكبِ، في هذا القصيد الذي اسمه الكون، لو قلنا إن كل هذا جاء مصادفةً لكنا كمن يتصورُ أن إلقاءَ حروفٍ مطبعيةٍ في الهواء يمكن أن يؤدي إلى تجمعها تلقائياً على شكلِ قصيدةِ شعرٍ بدون شاعر وبدون مؤلف!. ويستمر الملحدُ في تساؤلاتِه: ولماذا تقولون إن اللهَ واحد؟ لماذا لا تكون الآلهةُ متعددةً يتوزعون الاختصاصات؟ ويأتيه الرد: إن الخالقَ واحدٌ، لأن الكونَ كله مبنيٌ من خامةٍ واحدةٍ وبخطةٍ واحدةٍ، الحياةُ كلها بُنيت من مركباتِ الكربون "جميعُ صنوفِ الحياةِ تتفحمُ بالاحتراقِ" وعلى مقتضى خطة التشريح فإن تشريحَ الضفدعةِ والأرنب والحمامةِ والزرافةِ والحوت تكشفُ عن خطةٍ تشريحيةٍ واحدة، نفس الشرايين والأوردة وغرفات القلب ونفس العظام، العنقُ في الزرافةِ على طولِه تجدُ نفسَ الفقراتِ السبعِ التي تجدها في عنقِ القنفذِ، وكذا الجهاز العصبي وباقي أجهزةِ الجسمِ ثم الوحدة التشريحية في الجميع هي الخلية في النبات كما في الحيوان كما في الإنسان بنفسِ المواصفاتِ وبنفسِ الطريقة، الخالقُ واحدٌ وليس به نقص ليحتاج إلى من يكمله، ولو تعددت الآلهة لاختلفُوا ولذهبَ كلُ إلهٍ بما خلق ولفسدت السموات والأرض. وماذا بعد: تُرى هل مهمتنا تنحصرُ في الردِ على ملحدٍ فقط؟ أم أنها تتعداها إلى تحصينِ أبنائِنا الذين يغادروُن موطنَهم بقيمِ الإسلامِ وتعاليمِه حتى إذا ما عادت الطيورُ من هجرتِها تعودُ بنفسِ هويتِها الإسلامية. يُقال: إن جهةً تبشيريةً استغرقت شهراً كاملاً لتصرف جاليةً مسلمةً عن دينِها، فأنفقت عليها الشيءَ الكثيرَ وبعد انتهاءِ المدةِ سألوهم: والآن ماذا تريدون؟ قالوا: نروح الحج!! * خبيرة إدارية – تربوية